17 سبتمبر، 2024

شياطين المنامة البيت الأبيض الجزء الرابع

Img 20240321 Wa0076

كتبت: عفو رمضان 

فى ظلام ليل كثيف كالحبر، وأثناء نوم شريف وهالة، شعرت هالة بقطرات تتساقط على جبينها ووجهها كنقاط ماء، وعندما لامستها بأصابعها شعرت باللزوجتها، لكن عندما فتحت عينيها وجدت أنّ تلك النقاط ليست ماء، بل دماء تنزف، نظرت إلى الأعلى في سقف الغرفة، وإذا بجثّة مغمضة الأعين مثبّتة في السقف تهطل منها قطرات الدماء، شعرها يتدلّى كالأفاعي وملابسها بيضاء كالثلج، تدلي بأطرافها للأسفل تبدو وكأنّها تريد ملامسة هالة، فارتعبت هالة من هول ذلك المشهد، ومن شدّة خوف هالة ظلّت صامتة متجمّدة في مكانها، واعينها ثابتة على تلك الجثّة لا ترمش حتّى أغرقت عينها في دموعها، وظلّت هكذا مثبّتة عينها على جثّة المرأة المعلّقة في السقف والدماء الّذي يهطل منها، ومع كلّ نقطة دماء جديدة تتساقط على جبينها، كانت تشعر بالألم والبرد يحاوطها فحاولت تجاوز هذا المشهد المرعب وكأنّه كابوس سيّئ، لكنّها لم تستطع الحركة أو الهرب. كانت مقيّدة في مكانها، محاصرة في مواجهة الرعب الحقيقيّ.

 

حاولت هالة جاهدة تجاهل ما رأته وأخذت تفكر في طريقة للخروج من هذا الموقف المرعب، فحاولت أن تحرّك جسمها، أو تنادي زوجها، ولكنّ جسدها كان متجمّداً، ولسانها كان متصلّباً، وظلّت تأرجح نظرها بين الجثّة وبين زوجها على أمل أن يستيقظ زوجها، ويأخذها من هذا الكابوس الرهيب.

 

بعد لحظات قصيرة شعرت هالة بوجود حركة خفيفة في أناملها؛ ممّا جعلها تشعر بأمل جديد يتجدّد في داخلها نحو الهروب من ذلك الموقف اللعين، ثمّ توجّهت أنظارها نحو الجثّة المعلّقة، واتّضح أنّها تحرّكت قليلاً، كانت تتأرجح قليلاً في الهواء بطريقة مريبة، حينها فتحت الجثّة عينيها فتحتها باتّساع قويّ، وابتسمت لهالة ثمّ حرّكت رأسها تمايلا، ثمّ فجأة وبدون إنذار هبطت من السقف بسرعة هائلة لتقع على هالة، ولكن قاومت هالة القيود الّتي كانت تجبرها على البقاء في مكانها، وقفزت بقوّة كبيرة محاولة الهرب موقّعة بنفسها على الأرض، ورأت الجثّة وهي تسقط على فراشها بجوار زوجها، ولكن لاحظت أنّها لم تكن بالملابس البيضاء الّتي كانت المرأة المعلّقة ترتديها، ولكنّ المفاجئة أنّ هالة وجدت أنّ الجثّة تحوّلت إلى شكلها الملامح نفسها ونفس مقايس جسمها بالضبط، ومن المفاجئ أنّ الجثّة هي أيضاً تفاجأت، وظلّت تنظر في أيدها وأرجلها في سرور وابتهاج حينها نظرت هالة إلى أصابعها، فوجدتها شفّافة فاكتشفت اكتشافاً غريباً ومربكاً، وبدا واضحاً الآن وهو أنّ الجثّة وهالة تبدّلان الأماكن.

الجثّة استولت على جسد هالة حينما تحرّكت على نحو مفاجئ عندما أوقعت بنفسها من على فراشها في تلك اللحظة ما حدث هو أنّ روح هالة كانت أسرع من جسدها، فخرجت منه حينما وقعت الجثّة من السقف عليها.

 

روح هالة جالسة على الأرض، تتنفّس بصعوبة وتحاول تهدئة ضربات قلبها السريعة تستعيد تدريجيّاً الوعي الكامل تحاول فهم ما يحدث استمرّت في تحديق بأصابعها الشفّافة، وظلّت تشعر بالارتباك والدهشة حينها تحرّكت الجثّة المحتلّة لجسدها، وأدارت رأسها ناظرة إليها ثمّ فجأة تكلّمت الجثّة الّتي احتلّت جسد هالة، وقالت بصوت متأجّج “أخيراً، لقد استطعت الهروب من السجن الروحيّ الّذي كنت أعيش فيه!”.

 

هالة لم تصدّق ما تسمعه ولم تكن مستعدّة لمواجهة هذا الواقع الخارق، فتساءلت في داخلها عمّا إذا كانت هذه رؤية أو جزءاً آخر من الكابوس الّذي تعيشه ومع ذلك، كان يظهر على وجه الجثّة الّتي احتلّت جسدها ابتسامة غامضة لن تفهمها هالة.

 

بعد لحظات من التردّد، قرّرت هالة الوقوف على قدميها والتحدّث إلى الجثّة المستولية على جسدها قائلة: من أنت؟ وماذا تعنين بأنّك هربت من السجن الروحيّ الّذي كنت تعيشين فيه؟

 

ردّت الجثّة بابتسامة مريبة قائلة: لا تظنّين أنّي شرّيرة، ولكن أنا أمامي فرصة لن تتكرّر كثيراً، بل نادرة الوجود تخيّلي أنّك أنت أنا، وأنّك مررت بكلّ ما مريت بيه أنا فماذا كنت تفعلين الآن أنا أمامي فرصة لأعيش مجددا، فكيف أتجاهل هذا الأمر؟

 

هالة: ولكن ما تسكنين فيه هو جسدي وأنا من أخرجت منه أنت تسرقين حياتي.

 

الروح المستولية على جسد هالة: معك حقّ وأشعر بك بصدّق، ولكن كيف أتنازل عن ما أصبحت فيه أتعلمين معنى أن تكوني سجينة مهما تحدّثت وشرحت لك لن تشعري بي فحاولي أن تعذريني.

 

حينها استيقظ زوج هالة، ونظر إلى الروح المستولية على جسد هالة معتقد أنّها زوجته هالة قائلاً لها: ما بك يا حبيبتي؟ أعتقد أنّني سمعتك تتحدّثين.

 

فأدارت برأسها نحو روح هالة مبتسمة، ثمّ أدارت رأسها نحو زوج هالة قائلة: لقد رأيت في منامي كابوساً فظيعاً، فهل تضمّني يا حبيبي؟

 

إلى هنا تنتهي حلقة اليوم انتظروني غداً.

فيا ترى ما الّذي سيحدث غداً هل ستظلّ الروح في جسد هالة؟

هل سيشعر الزوج بتغيّر في زوجته؟

وهل يوجد ترابط بين رداء الروح لملابس بيضاء وبين لوم الجدران الّذي لا يتغيّر؟

وما الّذي حدث لتلك الروح في حياتها؟

وغيرها من التساؤلات انتظروا غداً آخر جزء من البيت الأبيض.

عن المؤلف