كتب: محمد محمود
ذات يوم من الأيام، استيقظت من نومي عابس الوجه، هائج النفس، وعزمت على أن أفعل كل ما يخطر على بالي، وفي ذلك اليوم كنت كثير الخطايا، كثير الذنوب، أفعل الذنب بدون تفكير، ولا أدري لماذا فعلت ذلك؟ وسرت في الذنوب والمعاصي واللهو، وانغمست فيهم؛ حتى أتى الليل، وأنا لم انتهي بعد، وصرت على ذلك الحال إلى منتصف الليل، فقمت بالتوجه نحو بيتي، وإذا بي أتطوح يمينًا ويسارًا، حتى وصلت إلى البيت، وقد تملك مني التعب والإرهاق، فتوجهت إلى غرفتي، وأنا في أسوأ حالاتي وقتها؛ من كثرة ما فعلته في ذلك اليوم، ففتحت باب غرفتي، وإذا بأدوات الغرفة تتطاير أمامي، فتعجبت لذلك الأمر شديدًا، ففركت عيني، ثم نظرت لها مرة أخرى، وما زالت على حالها، وظللت أكررها؛ حتى أوشكت أن أسقط أرضًا من كثرة الدهشة، فما استطعت أن أنتظر أكثر من ذلك؛ فذهبت إلى فراشي، وألقيت نفسي عليه من شدة الإرهاق، وبعد مرور عدة ثواني، وجدتني منغمسًا في النوم العميق؛ حتى انتقلت إلى عالم أخر، عالم لا يوجد فيه أحد غيري، وخالي من كل شئ، كالفضاء في خلوته، فأصابني الرعب، وامتلأ قلبي بالخوف، وإذا بمخلوق ظهر أمامي فجأة، فصرخت صرخة ممتزجة بالرعب المميت، فهو كالشبح المرعب، بل هو أشد وأشد، لم أرى مثله من قبل، كان عابس الوجه، أجعد الشعر، سيئ الملامح، قذر المنظر، نتن الرائحة، مخيف للغاية، نظرتك له كفيلة بأن توقف لك قلبك، وإذا بي أسأله بخوف شديد من أنت؟ وأين أنا؟ وما زلت أكررهم، وأخذت أصرخ وأبكي بصوت عالٍ، وهو ناظر إليّ بمنظره المفزع، صامت لا يتكلم، فأخذ يتوجه نحوي، ومع كل خطوة من خطواته، يزداد قلبي ارتجافًا ورعبا، وأنا غير قادر على الهروب، كأنني مثبت في مكاني، ولا زلت أصرخ قائلًا: هل من أحد هنا؟ أغيثوني! ولا حياة لمن تنادي، وإذا به قد اقترب مني؛ حتى أصبح بيني وبينه شبرًا، فارتعش جسمي كله بشكل غير طبيعي؛ حتى اعتقدت أنني سأنتهي بعد هذه اللحظة، وإذا به قد نطق قائلًا: ألا تعلم من أنا؟ فقلت له برعب شديد: لا والله لا أعلم، فرد قائلًا: كيف لا تعرفني؟ فقلت: والله ما رأيتك من قبل في حياتي، فاقترب بوجهه المرعب من وجهي قائلًا: أنا عملك في الدنيا أيها الفاسق، أنا ذنوبك التي أذنبتها، أنا معاصيك التي فعلتها، أنا شهواتك التي ما زلت تفعلها بدون إستحياء، فقلت له في خوف شديد: لن أفعلها مرة أخرى، أتركني أذهب، دعني أرجع إلى بيتي وعائلتي، وأنا أبكي بكاءًا شديدًا حسرة على حالي، فزاد غضبه، ثم قال: لا، قد فات الأوان، وأنت لي، وأنا لن أتركك بعد الأن، فأخذت أصرخ وأبكي، ويرتجف قلبي وجسدي، وزدت في الإستغاثة، ولكن لا يوجد أحد هنا غيري، فقال لي: لا أحد هنا غيرك، ولن ينفعك صرخك، وإذا به يرفع يده؛ لكي يضربني بها، وإذا بصرختي الكبرى قد خرجت، فوجدت نفسي منفزعًا من نومي أصرخ، فجاءتني أمي مهرولة، وهي تقول: ماذا بك يا بني؟ وأنا أبكي بكاءًا شديدًا، وأرتجف، فعلمت أنه كابوس فظيع، وعلمت أيضًا أنا كل ما حدث لي فيه، ما هو إلا توعية من الله، وأن الله يريد أن أرجع إلى صوابي، وإلى فعل الخير، والبعد عن كل الشر، فيا لضعف إبن آدم! فهو حقًا ضعيف إلى ربه، فلما يتكبر؟ ولما يفعل ما لا يرضي الله؟ فعليه بالنظر لآخرته، ويفعل ما بوسعه لكسب رضا الله؛ لأن الدنيا فانية، وكل شئ سيزول بزوالك، إلا شئ واحد وهو: عملك، لن ينفعك شئ غيره، فقم بتزيين عملك على الوجه الذي يرضي الله، وتب إلى الله توبة نصوحة، وأترك الذنوب والمعاصي، وإبتعد عن الشهوات في الدنيا، ولا تفعل إلا ما يرضي الله.
المزيد من الأخبار
تمني الفصل الثاني الجزء الخامس
كائنات لطيفة
ولنا مع الاكتئاب حكاية