فانوسي الذهبي

Img 20240318 Wa0009

كتبت: هاجر حسن

كل عام، ومع اقتراب شهر رمضان، كان أبي يحضر لي فانوس جديد، كل فانوس بلون مختلف عن العام الذي قبله لكن هذا العام، لم يكن الفانوس في بالي. كيف يكون ونحن نكافح لنجد ما يسد رمقنا بعد يوم طويل من الصيام؟ لا حلوى، لا بلح، ولا ولائم تغذي الأرواح المنهكة، فقط محاولات لإيجاد أي نوع من الطعام البسيط لنفطر عليه.
قلبي يعتصر ألما، وكأني أسمع دقاته تتردد في صدري من شدة الحزن. أنظر حولي فلا أرى سوى البهتان، فقد فقدت الحياة ألوانها وأصبح كل شيء رمادي. دخان القنابل والدمار يغطي سماء خان يونس، وكأنه قد التصق بها ولن يفارقها.
كمْ كانت مدينتي تنبض بالحياة في رمضانات مضت، حيث كانت الألوان والزينة والحلوى تملأ الشوارع والأزقة بالفرح.
لكن في خضم ذكرياتي، قطع أبي سلسلة أفكاري بندائه. هيا يا زينب، تعالي نذهب إلى البحر. ”خرجت من خيمتنا التي تتماسك بالكاد في وجه الرياح العاتية، متجهة نحو البحر حيث كانت المفاجأة تنتظرني.
وضع أبي عدة علب صفيح فارغة على الأرض، فسألته متعجبة عن سرها. فابتسم وقال:“ سنصنع فوانيس رمضان. ”لم أستطع إخفاء دهشتي وفرحتي، فصرخت من السرور.“ فانوس رمضان! ”تردد الاسم في قلبي محملا بالبهجة.
أخذ أبي يعلمني كيف نصنع الفوانيس من العلب الفارغة، نثقبها بالمسامير والحجارة، ثم نلونها بألوان زاهية. وأخبرني أن هذه الحرفة تعلمها من أجدادنا، الذين كانوا يصنعون الفوانيس لإضفاء البهجة على الأيام الصعبة. ومن بين كل الفوانيس التي صنعناها، أعطاني أبي فانوسا ذهبيا وقال:“ كل رمضان وأنت بخير يا حبيبة القلب. هذا فانوسك لهذا العام، اخترته ذهبيا كلون شعرك اللامع كأشعة الشمس. ”فرحتي لم تعرف حدودا، ووعدت نفسي أن أحتفظ بهذا الفانوس طوال حياتي.
وزعنا الفوانيس التي صنعناها على أطفال الحي، وكأن البهجة تنتشر بينهم كالغيث. في لحظة، حول أبي حزننا وإحباطنا إلى سرور وبهجة تملأ النفوس. هكذا هو شعبنا في خان يونس وفي كل أرض فلسطين، يخلق الأمل من رحم الدمار واليأس.
نظرت إلى فانوسي الذهبي وحملته بين ذراعي، حضنته وقبلته، وأخبرت أبي أنني اخترت له اسما:“ فانوس الشمس الذهبي.

عن المؤلف