17 سبتمبر، 2024

كاتب منزوع الضمير

Img 20240305 Wa0057

كتب: محمد يسري

في السيارة، و أثناء العودة إلى الأسكندرية بعد رحلة طويلة إلى كفر الشيخ دامت ست ساعات؛ كان يوم الثلاثاء؛ و الساعة الرابعة و العشرون دقيقة. بدأت أنثر في هاتفي، في محادثاتي مع نفسي؛ لأني فكرت مليََا في الكتابة و الكُتاب. أعرفكم بنفسي أدعى توفيق، يصفونني أحيانََا كثيرة بالحكمة، أو لعل اسم أبي هو السبب.

 

أوصلني تفكيري في الكُتاب ومن يكتبون و يترجمون، زملائي. فقلت لذات نفسي: ولما نكتب نحن؟! فبدأت أهداف من يكتبون تتساقط أمام عيني متجسدة و وجههم في مكان مظلم، فمنهم من بات وجهه فرح مبتسم، بالطبع وهو يكتب، وقد بدا عليه وجه شر، لا أعلم لماذا. وهنا كان السبب على جبينه أو لنقل ما استقرأته منه: هو أنه يكتب يريد صيت و شهرة، و سيموت إن لم يرى نتاج لكتاباته على أفواه الزائلون الزائرون في الأرض. كانت كتاباته جسد بلا روح: أحرف بلا هدف، تنثر و تُسطر بغير هدف إلا نيل عجب وعجاب؛ ولن ينالها.

 

و بدا لي أخر يكتب ووجهه ملئ فخرََا و عزة نفس، و كانت كتاباته كلها يحاكي نفسه فيها، ويتخيل نفسه يحقق إنجازاته، و تراها كتابات دائمََا ما برحت الإيجابية ذات المين المترائي.

و كانت الكتابة حين إذ، وسيلة للوصول للقب الكاتب الذي ينثر و يخط السطور. وإن تقرأها، لن تكملها، و إن أكملتها؛ هذا لأنه طلب رأيك فيها. و إن طلب رأيك ستستحي من قول السوء فيها، و إن كانت الحقيقة؛ فقول خيرََا أو اصمت سلم فيّك.

 

نحن ذي الأقلم من ينقل الأدب و من يخطه بيده. ننقله في كتاباتنا فلا نضر به عربيتنا، و نخطه فننقل به المجتمع من حولنا: بما فيه من زيف و حسن، ترابط و تفكك، عدل و ظلم… و هلم جرََا.

 

أو لما يضع من فينا من كُتاب رسالة خفية في كتاباته أوصلها لأجيال أباح لها الزمان الحديث عنها: وأن الماضي منع أجدادنا من حريتهم في النثر؛ فما برحوا إلا تضمين الرسالات بها.

 

لا نركن من قال بينا عيب، أو بكتاباتنا. فإن كان رسول الله محمد، لم يعجبهم و رأوا أن عليّ أحق بها.

فإن كان عليا رسول لهم، فلعمرك سيقولون محمد أولى بها. و لله أعلم و أعلى و اصطفى طه رسولََا ونبيََا.

 

لعلك تتفق معي، ولعلك تعارض، لا أبالي، لكن الكتابات لم تخلق ولن تخلق لتكن حية لتبيت مجرد منهل للطرفيه، لأن الآن ها هي تلك التكنولوجيا هي أجدر بالتسلية منها أبدََا ليد المسند. ما أبالي به هو رسالتي من كتابتي، و أني أديتها أمام رب الرسل، وأني أستحي من أن أقول كاتب على نفسي، لأني لا أرقى لها قولََا، ولا استحق بها مدحََا.

 

و غدوت أنظم من ثنايا ثغره ضرر أقلدها المها و أطوق. ها أنا و المنزل كلانا داخل بعضنا البعض، فهنا تجف أقلامي، وترفع عنها أصابعي.

 

عن المؤلف