14 ديسمبر، 2024

نظام… كرباج… أحمد العمرسي

Img 20240229 Wa0093

كتب: محمد يسري

 

أفيق من غفوتي بين جدران صفراء لونها، على جانبي أجد أشخاص لا أعرف لهم أصلََا، ولا هم مألوفي الوجه بالنسبة لي، أسمع أصوات جلبة و شجار يأتي من أخر الممر، لكني لا أراه لما من حائط يعيق مرور بصري. وأرى رجال يرتدون ثوب أبيض متسخ مائل للون الحذاء بقدمي، هذا الأبيض الذي لطالما وددت لو يتغير لون حذائي له.

 

تسعة غرف مرقمة أراهم، يدخلونها رجال ونساء يرتدون الأبيض للنساء و الأزرق للرجال.

 

أتساءل ما هذا المكان، ولما أنا هنا!

 

 

 

 

بدأت أتجول في أركان المكان من باب إلى باب، تتنازل أرقامها المعلقة في الأعلى، إذ برجل أسمر اللون، ما نقول عليه لون الشاي بالحليب، يقول لي: إيه! فرفعت حاجبي الأيسر، ورددتها عليه بتعجب و إستنكار.

 

_ رايح فين؟

 

هنا لم أكن أعلم أين أنا حتى أقول له إلى أين أرتحل و أجول.

 

أدرت وجهي إلى اليمين و اليسار، تلك الحيرة أنا أعرفها: هي ذاتها: هي عندما أستغرق في الفراش نوم طويلََا و أستيقظ وأنا أتهاوى إلى الأرض. لم أجبه، وهو لم ينتظر إلى أن أجب عليه، فعندما رجعت بوجهي إليه كان قد أدار لي ظهره و راح ليباعد بين شخصين في رواق أخر يتناطحان، وكان هذا أنسب وصف لما شاهدته، رأس برأس؛ يقول إحداهما للأخر: يدك، أحسن لك.

 

أعرف نفسي، لا دخل لي بتلك الصراعات لا من قريب ولا من بعيد ولا أتدخل بها لأعقد أو أحل.

 

 

 

 

سمعت صوت من خلفي ينادي: مازن، مح… مازن؛ نظرت خلفي ووجدت وعلمت أني هنا لآخذ ورقة أو استمارة، استمارة نعم، هذا ما ناداني الصوت أن أتي لآخذها، وعلمت من الصوت ذاته، ومن الأفضل ألا أوصف كيف كان صاحبه، أني هنا لأفحص عيني اليمنى التي لا أشتكي أنا منها في الأصل.

 

 

 

 

جلست على كرسي، و أسندت ظهري إليه، كان إلى جانبي الأيسر رجلان، أحدهما يضع السماعات الطبية، و أخر لا يتوقف فيه عن الكلام. كلام فكلام فكلام:

 

المصريين… نظام… تأمين… دكتور… ثلاثة ألاف… ثلاثين ألف(ثلاثون لكنه قالها بلهجة عامية)… خافت…كرباج… ما أسمه… في وش الحج أحمد… قبل المنوفي و العمرسي.

 

لك أن تتخيل كل ذلك يدخل إلى عقلي، فما بالك بالصداع الذي أصابني منه.

 

كان شئ يعوقني عن الرحيل من هذا المكان، لربما لا أرى له درج لأنزله أو أصعده؛ ولربما فضولي هذا الذي دفعني لأرى ما نهاية كل ذلك.

 

 

 

 

كانت الطبيبة لم تأتي بعد، كانت الساعة الثامنة، وميعاد عملها، السابعة. مرت الساعة الثامنة، التاسعة، العاشرة و دقيقة و دقيقتان.

 

ذلك الرجل بجانبي: لو معادها عشرة، أديها ساعة كمان.

 

قلت لنفسي حينها: وهل هناك عمل يبدأ العاشرة!! لا يهمني، نسيت أن أخبر: أن والدتي كانت إلى جانبي الأيمن، وأن هذا الفحص و الانتظار كان من أجلها هي.

 

 

 

 

_كابتن، قوم، في واحدة صغيرة بعكاز عايزة تعض.

 

فعلى قدمي الآن، أستند بظهري إلى الحائط و أنا أكتب على الهاتف ما يحدث من حولي. ذلك الرجل الذي قال لي أن أقف، ربط على كتفي فجأة.

 

_ معلش، ها، معلش.

 

لم أرد عليه، و نظرت إلى الهاتف، و أرجعت البصر إليه فلم أجده، كان هذا الرجل ذا الشارب يشبه معلم اللغويات في الجامعة.

 

 

 

 

اللغط و الجلبة لا تكف، أصوات: ماذا… طبيبة… أصوات سرينة الإسعاف… لم تأتي الطبيبة… يا أولاد ال***… أنا هنا من الخامسة… السادسة…كبار سن… إناث…مرضى وهلم جرََا.

 

 

 

 

نظرت إلى والدتي، وقلت لنفسي، وأخبرتها بما قلت: أن الله سيعطيني تلك السلطة التي بإمكاني أن أرمي بها الطبيبة و مدير المكان إلى الشارع؛ هم أناس لا يخافون الله، فلن أتردد في… ماذا أقول؟! أنا كاتب، كيف السبيل؟ ولما أقول ما يقوله الرجل من خلفي، وكأن كلمته تعبر من داخلي فألفظها أنا.

الشباك…غرفة سبعة…مجاش… مديرة… ختم… إمضاء… وقت…ضياع… حفظ نظام…الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم الدين… فيه ضمير… أشخاص كويسين… مش كله وحش…

عن المؤلف