17 سبتمبر، 2024

عائلة ولكن

Img 20240222 Wa0179

 

كَتَبت: كَارِي الغَزَالِي. 

 

في إحدى المنازل المتوسطة، التي تسكنها عائلة لا تتميز عن غيرها في شيء، يقف هذا الطفل الذي لا يتخطى السابعة مِن عُمرهِ، ويُمسِكَ بين يديهِ إطارًا لصورةً تجمع العائلة وبعض الأقارب في مُناسبةٍ ما، ولكن برغم صِغر عُمرهُ؛ إلا أنه استطاع أن يستشف إصطناعهم للمشاعر العائلية، وأثناء شروده في الصورة ومَن بِها، أتت والدتهُ وأخذتها منه، ثم وضعتها بمكانِها، ومِن ثم وَبخته على إمساكِه للصورة، وخوفًا عليها مِن أن يصيبها بضرر.. ظل الطفل واقفًا ينظر إلى المشاعر المُزيفة التي بالصورة، وإلى والدتهُ التي تعزز الصورة إلى هذا الحد!

مَرت الأيام بأحداثِها، وأصبحَ النظر إلى الصورة عادة يومية لدى الطفل.

 

اليوم هو إجتماع العائلة في مَنزل الجد والجدة، وأثناء تحضير الطعام، نرى كُل سيدة منهن تُريد أن تفعل ما هو أفضل مِن التي تفعله الأخرى، ويوجد تنافس قوي وكأنها مُباراة عالمية وليست إحدى التجمعات العائلية، إلى أن وَصل الأمر بأنَ إحداهُنَ جَلبَت عبوة كاملة مِن إحدى مواد الطعام الحارقة وقامت بسكبها في الطعام التي تقوم الأخرى بطهيه، وهُناكَ مَن كان يُشاهد كُل شيء ولكن في صمت.

 

وأثناء تناول الطعام، سأل أحدهم عن نوع معين مِن الأطعمة، ومَن التي قامت بإعداده؟ فأخبرته إحداهُن عن صاحبته، ومن هنا بدأت جلسة التحليل والسُخرية، ولا الأخ يُدافع، ولا الزوج يهّون، جعيهم الآن مُعلمون، وجميعهم عباقرة، ملائكةٌ آتيةٌ مِن السماء، لا يقترفون الأخطاء أبدًا، وبذات الوقت شياطين لا تنصت لمُبرر، ولا تنظر لدليل، ولم تكن السخرية موجهه لتلك السيدة فقط، بل إنقلبَ المشهد إلى فيلمًا، وتحولت السخرية وبدلًا مِن أن تتوجه إلى فرد، أصبح الجميع يسخر مِن الجميع أيضًا.

 

وبيومٍ آخر، صَدحت الأصوات العالية لشجار الآباء، بذات المنزل الذي يمتلك تلك الصورة المصطنعة، وكانَ الشجار لعدة أسباب منهم: الزوجة لا تُريد لزوجها أن يستمر بزيارة أخواته، وجلب بعض الهدايا لآبنائهم، والزوج لا يُريد لزوجته أن تستمر بالتواصل مع عائلتها، لأنها تنتمي لعائلة أصابتهم أزمة مادية الآن، وبذلك أصبحوا لا يليق لهم معرفتهم.

 

ويومٍ آخر، بذات البيت، ونفس الطفل يقف أمام والديه، والأم تمسكه مِن ذِراعيه وتقوم بتوبيخه بأعلى صوت لديها، كيف ابن عمه يفوقه بخمسة دراجاتٍ في نتيجة الشهادة الأبتدائية؟ كيف يتسبب بأن امرأة عمه تشمت في والدتهُ؟ أما بالنسبه للطفل ومجهوده السابق، ونفسيته التي تدمرت بسبب ذلك المشهد لا داعي للنظر إليها، ولا داعي للإهتمام بِها.

وعندما أشار الطفل أنه يُريد أن ينضم إلى إحدى المدارس الخاصة بتعليم وتطوير الرسم، نظرًا لموهبته ولعشقه الشديد لها، تم الرفض مِن قِبل والده رفضًا تامًا، والسبب أنه عليه الإلتزام ضعف إلتزامه المعتاد، لكي يحقق أعلى الدراجات ويتفوق على أبناء العائلة.

 

وأتى يومٍ آخر ولكن كانَ الأسوأ، فاليوم قد توفى الجد والجدة رحمهم الله، وهُم الآن مجتمعين بعد الإنتهاء مِن مراسم العزاء، منهم مَن لا يُبالي بشيء ويتصفح هاتفهُ، والبعض يتشاجر على تقسيم الميراث! ومنهم مَن إقترحَ أنه يقوم بخطبة ابنة أخته الوحيدة لابنه بسبب ما ورثته أخته!

 

والكثير والكثير ولكن أين العائلة؟

عائلة ولكن مصطنعة المشاعر، عائلة ولكن مُجرد كلمة عامة.

‏هيَ ليست عائلة؛ بل مُجرد صورة، يجب الإبتسام بِها مِن أجل المظهر وأما عن القلوب وما بِها؟ فالله العالم.

 

“طفلٌ ينتمي لعائلة تُشبه الشجرة؛ مُتعددة الأطراف ولكن ذابلة!”

عن المؤلف