قصة: أساطير في البرية
للمُبدعة الصغيرة: وهاد محمد زاهر
« الجزء الثالث »
بعد الكثير من الصراعات الداخلية والتشتت العقلي الذي حل بإدوارد بعدما علم ما حدث، قرر العودة إلى القرية مُتخفيًا؛ للذهاب إلى السوق؛ لشراء بعض الطعام والماء، وما سيحتاجه في رحلته القادمة إلى التلال المُلونة السبعة، ثم عاد إلى الغابة مرة أخرى؛ كي يجهز نفسه لمغامرته الجديدة الغير مُتوقعة بالنسبة إليه، رتب حقيبته، ووضع الكُتب والخريطة وكل ما قد يحتاجه أثناء رحلته تلك، وهمّ بالرحيل ناحية الشرق تجاه تلك التلال، قلقًا لما قد يُقابله في تلك المنطقة الغريبة…
أثناء طريقه وجد أمامه نهرًا صغيرًا مائل للأخدود، يقف أمامه حصانًا كهلًا بجسده العديد من الجروح، لا يقوى على شرب الماء بسبب صغر حجم النهر وبُعد المياه عنه، فقام إدوارد بالانحناء لجلب الماء له، وأطعمه، بل وعالج جروحه أيضاً، لكن ظهر أمامهما فجأة بريق لامع سارق الأنظار من العدم، من مكانٍ ما بالنهر، فتخرج منه واحدة من الجنيات جميلة للغاية قائلةً:
– أنت إنسانٌ طيب القلب، خدوم لمن يريد المساعدة، لقد ساعدت هذا الحصان الجميل المريض دون أن تنتظر منه المقابل، العالم صار يحتاج إلى أشخاصٍ مثلك، كم أنت شخص مساعد!
كان إدوارد عاجزًا عن الرد، فهو لم يكن متوقعًا ظهور تلك الجنية هنا من ذلك النهر الصغير شبه الجاف، بل كان خائفًا بعض الشيء لظهورها المفاجئ بهذا الشكل، ومديحها لأخلاقه أيضاً أشعره بالارتباك، فما زاد من قلبه أكثر حين قامت تلك الجنية بالارتفاع في السماء بعيدًا عنهما بعض الشيء وأصدرت بريقًا خافت من يديها، ليجد الحصان المريض قد تعافى من جروحه كلها بلمح البصر، ثم قالت:
– من الآن هذا الحصان لك، استعن به في رحلتك حيثما ذهبت، سيكون عونًا لك، ورفيقًا لذلك الدرب الطويل الذي ستقطعه…
وأعطته خمس زهور ورديات، ومثلهن أرجوانية، وعصا قصيرة، وحفنة من الماء من النهر في زجاجة، وقبل أن تختفي أخبرته بأنه سيحتاج هذه الأدوات فعليه الاعتناء بها جيدًا، فهو على وشك مقابلة العديد من الصعوبات، بل وشرحت له استخدامات كل من تلك الأدوات…
– أخيرًا قبل رحيلي سأحذرك، لا تستخدم تلك الأدوات إلا عند الضرورة فقط، أو إذا أخبرك الحكيم بأن تستخدمها … لما هذا القلق والاندهاش، أنا أعلم جيدًا ماذا تفعل، وما ستفعله، ولما أنت هنا من البداية، أنت هنا في عالمي، فلا تخف مني هكذا، فلولا قلبك الطيب هذا لما ساعدتك، فأعلم جيدًا أنه كلما كنت سببًا في عون ومساعدة الآخرين المحتاجين من حولك، أرسل الله لك من يساعدك، ويعاونك للوصول لمرادك … أراك قريبًا، ثم اختفت !!!
رغم اندهاشه وعدم استيعابه للأمر، إلى أنه كان سعيدًا للغاية، فقد تيقن أن الله معه، ولن يتركه في تلك الرحلة المجهولة، فقام سريعًا بحزم أغراضه في حقيبته والأشياء التي أخذها من تلك الجنية، بالرغم من جهله بما سيفعل بهم، واتجه نحو الشرق مُكملًا طريقه مع الحصان، أثناء سيره رأى شيئًا ما ضخمًا يقترب منه بسرعة، كان كائنًا غريبًا عجيبًا بجسد ديناصور ورأس أسد، ويدين كأيدي القردة، حاول الهرب منه أولًا لكنه لم يستطع، فتيقن أنه اختبار له من عند الله، فحاول هزيمته والتغلب على خوفه فلم يستطع، فإذا بالحصان يتكلم ويقول:
– استخدم الزهرة الوردية الثالثة، حاول أن تحدد هدفك وترمي بها في عينه، فإذا أمسكها هذا الكائن كي يتلاشاها فسيموت على الفور…
بالفعل قام إدوارد فعل ما قاله الحصان رغم تعجبه من تحدث الحصان إليه، فقام بتسلق جزع شجرة بعيدة عن ذلك الوحش؛ ليصنع رمحًا يقذف به الزهرة في عين الكائن العجيب، وبالفعل نجح في ذلك، وتبخر الوحش من أمامه بصرخة عالية، كأنه لم يكن، ثم وضع الرمح بحقيبته قائلًا دون النظر إلى الحصان: لن اتفاجئ من حديثك معي، فقط رأيت ما جعل رأسي يشيب شيبًا…
صهل الحصان ثم أكملوا طريقهم، نحو جبل شاهق، ليجدوا أفعى عملاقة أمامهما أثناء صعودهما لديه القدرة على الجري بسرعة، للدغ فريستها، حاولت الأفعى لدغه مرارًا وتكرارًا لكنه كان يفر منها بسرعة، فإذا بالحصان يقول:
– خذ البعض من أوراق الشجر، واصنع منه ملعقة، ثم ضع بها بعض الماء، وألقي بها على تلك الأفعى
ليقوم بعمل ما قاله الحصان بسرعة، لتختفي تلك الأفعى كأنها لم تكن !!
أكمل طريقه حتى وصل إلى القمة، ليرى سبع تلال أمامه، لكل تل ألوانه الخاصة، وبعد تلك التلال السبعة، رأى بعض الدرجات الشاهقة، لم يستطع بعينيه الوصول لنهايتها، رأى بين كل تل والأخر جسور غريبة، فالأول جسره رفيع كالحبال، والثاني واسع وبه صخور عملاقة، والثالث صغير وضيق يكفي فرد واحد كي يمر منه، والرابع خشب صلب كالحجارة مليئ بالأشواك، والخامس ممتلئ بالماء، والسادس مليئ بالكثبان الرملية، والرمال المتحركة، أما السابع والأخير به العديد من الالتواءات كأنك ستسقط إذا عبرت به…
أخذ نفسًا عميقًا وتوكل على الله، وانطلق في رحلته لعبور تلك التلال، أثناء عبوره للتل الأول، أخبره الحصان عندما وصلوا إلى بداية الجسر، بأن يستخدم الملعقة الثانية من الماء، ويلقي بها على طرف ذلك الحبل، ليتحول إلى جسر خشبي عادي يستطيعوا السير عليه، وحدث بالفعل، ثم وصلوا للجسر الثاني، هنا أخبره الحصان بأن يعتمد على نفسه، وأن يجري بسرعة دون توقف أو النظر إلى الخلف أو الأسفل، حتى لا يموت وتنتهي رحلته للأبد، فقام بتنفيذ ما قاله الحصان بشجاعة وبسرعة كبيرة، ونجح في الوصول للجسر الثالث، وهنا أمره الحصان بأن يضع قطعة من القماش على قدميه والأخرى على الجسر وسيعبر بسلام، لكنه وقف قليلًا غير مقتنع بما قاله الحصان، ليرد الحصان قائلًا:
_ لا تتعجب، فأحيانًا نقوم بفعل بعض الأشياء دون منطق أو مبرر لما نفعله وما نُجبر على فعله، لكنه يكون خيرًا بالنهاية، فتوكل على الله وأكمل طريقك كما أخبرتك…
وقف إدوارد قليلًا كأنه يتدبر فيما قاله الحصان، ثم قام بما أمره وعبر بسلام للجسر الرابع، فقال له أن يلقي ملعقة ثالثة على الجسر القاسي؛ ليتحول إلى جسر خشبي لين يتمكن من المشي عليه بسهولة ويسر، أما عندما وصل إلى الجسر الخامس، فقام الحصان بإرشاده لصنع قارب صغير من أوراق الشجر، والقماش والخشب والزهرة الوردية الثانية والأولى، لكن أخبره بأن سر عبوره بسلام بأن يمتلك اليقين الكافي بتلك الأغراض ويثق بأنه يسعبر بها لبر الأمان، وبالفعل نجح حين وضع ثقته بالله وبتلك الاشياء، وصولًا إلى الجسر السادس، فأمره الحصان بإلقاء ما تبقى من الماء على تلك الرمال المتحركة لتتصلب وتصبح الصخر يسهل السير عليها، أما عندما وصلا إلى الجسر السابع والأخير، فأمره بتقبيل الزهرة الوردية الرابعة؛ كي تظهر الجنية أمامهما، وتحملهما؛ لتعبر بهما التل السابع والأخير؛ ليصل إلى درجات من الصخور على هيئة سلم شاهق، ظل يصعد تلك الدرجات لبضع أيام حتى وصل إلى أرض خضراء واسعة، مليئة بالأشجار، والزهور، والخيول، وغيرها من المناظر الطبيعية الخلابة، استعان إدوارد بالخريطة والبوصلة، ليحدد وجهته مُتجهًا نحو الغرب حيث يسكن الحكيم، ظل يسير هائمًا لا يدري شيئًا من حوله، حتى وجد أمامه كوخ صغير خشبي، وعجوز يتكئ على عصاه أمام باب الكوخ، فعلم أن هذا العجوز هو الحكيم الذي يبحث عنه، فهرول إليه مسرعًا…
وما زلت للقصة بقية…
تأليف المُبدعة الصغيرة: وهاد محمد زاهر
الإشراف والإخراج الفني الكاتبة: مديحه عثمان
المزيد من الأخبار
سر سعادتي
تمني
تمنيتُ شخصاً ملتزماً