دون أولويات

Img 20240214 Wa0007

كتب: محمد يسري

تدلف الأم ميرام لغرفة ابنها ذا العام والنصف لتتفقده، بعد أن صرخ من الجوع؛ فتراه الأم، و تتجه إلى المطبخ لتعد قارورة اللبن جاءها طفلها.

يدعى ياسين، فيقول لها:” ماما، طعام”. فردت عليه:”حسنًا، ثانية واحدة” نظرت الأم إلى الساعة المعلقة على الحائط بعد أن أصدرت ضجيج مرور ستون دقيقة.

فقالت الأم لنفسها: أف مني، نسيت إخراج الدجاجة من صندوق الثلج ذلك في الثلاجة”. 

تركت القارورة داخل الحوض؛ ثم راحت لتخرج الدجاجة من الثلاجة ليسيح الثلج عنها.

فأخذت بطبق لتضع الدجاجة فيه وتسكب عليه قدر لا بأس به من الماء الساخن.

وهي تنظر إلى الدخان المتصاعد عن صب الماء؛ فتبتسم له، وتستشعر لذة الهدوء و السكينة تلك، فيقاطعها صوت لم ترد سماعه في تلك اللحظات أبدًا.

_ماما، طعام.

نظرت الأم له، وأشارت إليه أن اصبر قليلاً مع تأفف.

 

تركت اللبن على الشعلة الخافتة من النار، حتى يتثنى لها تنظيف غرفة المعيشة للضيوف الذين ربما قد يأتون في أي وقت؛ الذين قد أخبرها زوجها عنهم مسبقًا.

قبل أن يخرج إلى العمل: أن أصدقاءه سيزورونه وقت المغرب ليطمئنوا عليه بعد أن علموا أنه مصاب بمرض في القلب.

وهمت إلى غرفة المعيشة ومعها جردل من الماء، به من تلك المنظفات التى تجعل الأرض كما لو كانت تلمع مثل الجوهرة البيضاء.

تلك التي نرى أشباهها في صالات الأفراح؛ تضع الجردل على الأرض وتلقي بالممسحة في يدها اليمنى؛ لتكون لها القدرة على الإمساك بها بقوة.

فتبدأ في مسح الأرض مسحًا، كما لو كانت تنظفها من جريمة قتل ولا تريد أن تبقى أثار لها في المكان. أنهت جردل الماء، وراحت تملئ أخر بالماء.

بينما كانت تنتظر أن تعلوه المياة وتطوف على سطحه، فوقعت مقلتا عينها على باب الحمام الذي كانت تملؤه شبكات العنكبوت.

لربما كانت بيوت قديمة جد قديمة، بقدامة البيت نفسه، كثيفة، تتوارى وراء الباب، يتعششها العناكب والحشرات التي لم تجد لها مفر.

إلا أن تكون فرائز لعنكبوت، وبالطبع يمكن التخمين ما ستفعله، أنقضت على الباب، توقع شباك العنكبوت واحد فالآخر إلى أن إلتصقت بها وبكتفها الشباك.

فأخذت تسمحها من عليها، والماء ينهمر من الجردل، وتمسح الباب مسحًا تريده كما وضع أول مرة؛ فسمعت صوت فوران اللبن.

الذي بدأ ينسكب على النار لتطفئها، الصوت الذي لا تجعله أي أم، أو أي طفل ينادي على أمه أن انسكب اللبن على الموقد. 

فتهرع إلى المطبخ، وقد نسيت الماء والجردل، فصدق حدثها حين إذ: أن الحليب سُكب على الموقد أغلبه.

_ماما، طعام.

_صه، مه، اغلق فمك، أخبرتك أن أصبر سويعة قليلة.

نظر إليها في نظرات من الحزن الممتزج بالريبة والخوف.

فذهب إلى حيث ذهب حينها.

أخذت تنظف الحليب المسكوب وتمسح الموقد، وكان العرق يتصبب من جبهتها، رقبتها؛ حتى أنها كانت تظرف الدموع على اللبن المسكوب.

 

 بينما تمسح وجنتها بيدها المرهقة، تذكرت الدجاجة:

_آه مني الدجاجة، نعم، شلت يدي، لا حول لي اليوم ولا قوة.

أخذت تخرج الدجاجة من المياه، التي كانت إن أبقيتها أكثر من ذلك لباش جلدها وتسلل لثنايا لحمها؛ فتقطعها، ونست أن تغسل يدها من تنظيف الباب وشبكات العنكبوت تلك.

_أنا لم أغسل يدي… لا أتذكر في الواقع، لا أعلم همت بغسل يدها،

أتركها هنا، لا يهم، طالما يدي متسخة لأكمل ما تبقى من تنظيف في غرفة المعيشة.

حينها تذكرت الماء والجردل في الحمام؛ فأسرعت الخطوة بالأخرى ذاهبة للحمام، أغلقت الصنبور، وأخذت الجردل ووضعته في غرفة المعيشة هناك بجوار السفرة.

قالت في نفسها: أضع الطعام في الفرن وبينما يطبخ أكون قد أنهيت التنظيف هنا؛ فرجعت إلى المطبخ، وقد فتحت المياة.

وأغدقت بالصابون على يديها تفركهن فركًا؛ ثم تحضر مكونات الدجن وتقطع عليه شرائح البطاطس، والمرقة، والثوم تعلوها، ولم تكثر الثوم لعلمها أنه زوجها يكرهه في الطعام.

نادت على صغيرها ليذوقلها الطعام، وهذا ما جرت عليه عادتها معه عندما تعد طعام؛ فلم يجب عليها.

 

كان ياسين يتطوق شوقًا لهذا البسكويت الموجود على المنضدة في غرفة المعيشة؛ فهم بصعود المنضدة، كما لو كان في تحدي مع المنضدة على صعودها، فسمعت صوت شيء يسقط على الأرض، وصراخ يدوي في الأركان.

هرعت لترى ما يحدث فترى كما خيط من الدم يلامس قدميها، أوجست في نفسها قلق أن يكون ما في ذهنها قد حدث.

 يمكن تخيل ما حدث حين إذًا، غير ضروري إكمال ما حدث؛ لكني سأقصه، وأنت تعلمه جيدًا.

وهو أن الولد ياسين رأى البسكويت ورأى بجانبه عبوة لون طعام أحمر كبيرة من الزجاج، كانت قد أحضرته لتعد مخبوزات وكعك.

وكانت ستضعه عليها؛ فأوقعها ياسين على الأرض، وصرخ؛ لأن أباه دخل من الباب فجأة في صمت تام، وأمسك به من ظهره؛ فصرخ الولد فزعًا. (لا تتخيل ما هو أسوء، عزيزي القارئ)

عن المؤلف