كتبت:هالة منير
نحنُ نعلم أن لكُل قصة بطل
ولكن في تلك القصة سنتحدث عن النقيض،
الوجه الآخر، عن ذلك المذنب البائس الوحيد الغارق بثقل أفعاله في هذا العالم؛
ولذلك فأنا الشرير في تلكَ القصة.
أنا أُدعى (سليم) شاب حاصل على شهادة البكالوريوس في مجال السياحة والفنادق،
من عائلة متوسطة الحال، توفى أبي منذ عشرة أعوام؛ لذلك أصبحت أنا من أُعيل عائلتي،
لدي شقيق في المرحلة الإعدادية،
حالي كحال باقية الشباب بعمري،
أخطأت كثيرًا أعلم ذلك،
ولكن خطأي الأكبر هو، الاعتراف.
ذات يوم كنت في عملي، كانت هذه أول مرة أشعر بتلك الوخزة المُحببة لدينا النابعة من القلب عند رؤية من نحب، نعم فأنا واقع في حب إحداهن.
(ليان) فتاة جميلة ذات وجه طويل،
وخديها ذوا طابع أحمر، كما أنه لديها أنف بينوكيو، ولكني أحببتُ اختلافها، أحببتُ النور الذي أضاء عتمتي، تعرفت عليها منذُ شهرين تقريبًا،
ولكني أشعر أنهم عقدين وليسوا شهرين فقط،
فحبي الكامن بداخلي سيظل خالدًا بي،
ولكنني أقسم أنني لم أكن على دراية بأن نهايتي ستكون على يديها الصغيرتين،
اللتان كنتُ أدفئهما بذلك النفس النابع من روحي.
(ليان) من عائلة ميسورة الحال، والدها أحد المستشارين الكِبار بالبلد، ووالدتها متوفية منذُ صِغرها، كانت (ليان) صريحة وجريئة بعض الشيء، كما أنها ذات طبع حاد وصعبة المراس كوالدها فهو من قام بتربيتها، ولكني أحببتُ اختلافها.
لن أقول أنني معصوم من العيوب والأخطاء بل أنا مُثقل بالذنوبِ أيضًا، فمن قبل تعارفي على (ليان) كنت شابًا مشاغبًا بعض الشيء،
نعم أخجل من ذنوبي، ولكن مع (ليان) أشعر بأنني بعالمٍ موازي ولا يوجد سِوانا.
(ليان) هي مرشدتي، هي قبلة اتجاهاتي،
هي من حلت علي بنورها وروحها النقية؛
لتُطهرني من جميع خطاياي، نعم هناك تناقد بعض الشيء، فكيف لها أن تكون منقذتي ومهلكتي في أنٍ واحد، هذا هو ما أسرده الآن.
“ماذا تفعل بكل تلك الذنوب، ماذا ستفعل ليغفر الله لك كل هذا؟”
تلك الجملة هي كانت ردّت فعلها؛ عندما بوحتُ لها بكل خطاياي وكل ذنوبي.
في تلك الليلة الساجية قد اتخذت ذلك القرار وهو، الاعتراف لها بكل شيء، عن ماضي وحاضري أيضًا، فقُمتُ بالاتصال بها على الفور؛ لأخبرها كم أنا مُشتاقٌ لرؤيتها، وأريد أن نتقابل الليلة،
كان كل شيء يوحي لي أن لا أفعل،
أن أتراجع عن قراري ولكنني لم ألتفت،
كانت ليلة باردة هرأت الرياح بشدة حينها،
ولكنني تجشمتُ المخاطر؛ كي أصل لهدفي على الرغم من خطورة نتائج قراري هذا،
ظللت طوال الطريق أدعو ربي بأن تتنزل عليها السكينة تلك المرة، وأن تتخطى ذلك الماضي،
فكل حاضري بين يديها، ومستقبلي معها.
تقابلنا في مكانِنا المعتاد وجلسنا فقُلت لها: لدي كم هائل من الكلمات أريد البوح بها لكِ.
فقالت لي: وأنا كلي أَذانٌ صاغية.
تتوقف الكلِمات بحلقي كالغصة،
أنظر حولي لا أرى غيرها، ترتعش يداي من نتيجة فعلتي هذه، ولكن مما أخاف من الماضي، بالطبع (ليان) لن تحكم علي من حياتي السابقة.
تمسكت بيدي وقامت بمناداتي: سليم ما بك؟ أخبرني، أنا معك.
وضعتُ يدي على يديها، وأخبرتها بكل شيء،
كل شيء عن ماضيَّ، عن من أذنبت بحقهم، عن من قمتُ بجرحهم، عن تلك الفتيات، العالقات بعنقي إلى الأبد، أخبرتها ولم أتوقف عن الحديث، وكأنني أبوح بسري لأمواج البحر؛ ظنًا مني أنه سيأخذ كلماتي وسيرحل، ولكن (ليان) بحر هائج أطاح بي إلى ظلمته، بعد سماعها لي بدأت ملامحها بالتغيير بدأت تظهر ملامح غضب وتعجب! بدأت تبتعد عني، لم أكن أُريد سوى أن أقسم معها حملي وثقلي، كنتُ أريد رؤية حقيقتي في عيناها، كنتُ أريد كلمة أسامحك منها نيابةً عن العالم، كنتُ أريد الاختباء بين ذراعيها من كل تلك الهواجس والمخاوف،
قلتُ لها: لما كل هذا، تعابير وجهك واضحة لي، أتخافين مني!؟، أنا فقط أريد الرجوع بالزمن لإصلاح كل ذلك، أريد اللِقاء بكل من ألقيت عليهم لعنتي،
من قمتُ بظلمهم أو إيذائهم عن قصد أو دونَ قصد، أريد العفو، أريد الراحة والسلام،
أجل لقد أسأتُ العيش مع بعض البشر، لقد استهلكت معظم حياتي بطريقة خاطئة، ولكنني أريد تكفير كل تلك الذنوب، فأرشديني على الطريق.
فقالت لي: وكيف ستفعل ذلك؟، إن كانت حياتك عبارة عن حُطام فكيف لي أن أساعدك على البدء من جديد فيها؟.
نظرتُ لها في حيرةٍ، أتعجب! هل تتخلى (ليان) عني الآن، ولكنها لم تعرف أن كل ليلة كنت أُكفر عن ذنوبي بصلاتي وبكائي وتوبتي، هي لم تكن تعلم أنني أجلدُ نفسى ألف مرة على أفعالي وأندم على كل ما فعلته، لم تكن تعلم أن خطاياي كانت مثل الأثقال على ظهري وأكتافي، ولكنها هي كانت أماني الوحيد وأملي أيضًا، ولكن في تلك الليلة عندما بوحتُ لها بكل عيوبي وذنوبي النادم على فعلها، جعلت مني شخصٍ انطوى بأفعاله ولن يتثنى له النجاة منها، بوحتُ لها بأسراري وكأنني قمتُ بخلع كامل ملابسي وظهرتُ على حقيقتي بكل عيوبي لها.
حاولت أن أقنعها وأن أمسك يداها ولكنها كانت تنفرُ مني، وكأنني داءٌ، وكأنني أول من يقع بالخطيئة.
نظرت لي وكأنها نظرة الوداع، أزاحت يدي وقالت: كيف لي أن أشعر بالأمان بعد هذا الكم من الظلام؟
أردفتُ عليها مُسرعًا: إن كان بي ظلام فأنتِ نوري، ألم تخبريني من قبل، أن الحب لن يفرقنا، بل هو من يجعلنا نستمر، أين الحب، وأين الرحمة التي بأيسر ذلك الجزء في جسدك؟.
لم تتفوه بشيء وكأنها صائمة عن الحديث، غادرت طاولتنا، وهمت بالرحيل، حاولت الإمساك بها، أن أمنعها من الهرب مني، أنا فقط كنتُ أريد منها البقاء معي وأن تتقبلني كما أنا؛ لتأخذ بيدي لتقُل لي كل ذلك من الماضي سنُغير ما تبقى لنحيا سويًا، كنتُ أريد منها أن تغفر لي وأن تجعلني أغفر لنفسي أفعالي تلك، لم أكن أريد سوى حياة معها بفرصة ثانية، كنتُ أريد البدء من جديد، لكنها صدمتني بواقعٍ أليم بحقيقتي التي لا مفر منها وهى، أنني مذنب بكل تلك الأفعال مهما فعلت، وصاحت بوجهي قائلة تلك الجملة التي ردّت في قلبي، “ماذا تفعل بكل تلك الذنوب؟ ماذا ستفعل ليغفر الله لك كل هذا؟ وكيف لك أن تعيش هكذا؟” وغادرتني، هجرتني، وتركتني مُهشمًا، ولكنها لم تسألني كيف وصلت إلى هذا، لم تسألني مَن أوصلك لذلك الطريق، هي فقط حَكمت بأنني مذنب ومُعاقب مدى الحياة منها ومِن نفسي ومِن كل مَن حولي ومِن ربي أيضًا، هي فقط قامت بجلدي.
لقد هربتُ من نفسي طيلة هذه المُدة؛ لأنني أعلم جيدًا أنني مذنب، ولكن كل ما هربت منه وجدته أمامي فيها.
فارقت حياتي وكأنها لم تكن، غادرت خوفًا مني، وخوفًا على مظهرها العام، أطاحت بحبي من أجل ماضي بائس، ولكنه ملكي وسيظل حملٌ على قلبي طالما حييت؛ لذلك أبوح لآخر مرة بقصتي الغير مكتملة والتي لن تكتمل؛ لأنني سأتركها هنا تحت هذا الجسر المُهشم كقلبي، الساقط كحبي، البالي كعمري، أودع قلمي ودفتري كما ودعتني هي.
وأخيرًا إلى من يعثر على هذا الدفتر المُهترئ بغياهب الظلمات أسفل هذا الجسر اللعين، اسمع مني يا ذاك: كل ما ستتعلمه من دفتري هذا هو، أن أكبر خطأ سترتكبه في حياتك هو التخلي عن نفسك وأسرارها والبوح بكل شيء لشخصٍ ما، أن تقوم بعراء نفسك أمام شخصٍ؛ بحيث البدء معه بصفحةٍ بيضاء جديدة، الحب ليس كل شيء، عليك إتقان أشياء أخرى ذو فائدة، حبك لشخصٍ ما ووضعه في خانة الأمان الدائم ذلك من الغباء أعزاءي؛ فاعلموا أنه لن يحبك أحد قدر نفسك، ولن تسطيع تخطى الماضي إلا بمساعدة نفسك، واعلموا جيدًا لن ينسى أحد، ولن يُسامح أحد، ولن يغفر لكَ أحد، فهم بشر وليسوا إله، لك رب هو فقط من سيمحو ذنوبك، ويسامحك، ويعفو عنك، ويغفر لك، هو فقط من سيستر عورتاك ويأمن روعتاك هو فقط من سيفعل ذلك؛ لأنه الله.
_النهاية.
المزيد من الأخبار
مكالمة بعد منتصف الليل
الأمير قمر الزمان
لعنة سنموت