الشاعر الفارس

Img 20230225 Wa0076

كتبت: آية الهضيبي 

ومازال التاريخ لا يذكُر إلا الذين سطعت أسماؤهم بِأعمالهم التي خُلِّدَت على مر العصور إذا كانت انتصارات في المعارك أو تألُق في الأدب وفنونه، دعونا نعود إلى الوراء في حقبة العصر العباسي أو الخلافة العباسية أو دولة بني العبَّاس هو الاسم الذي يُطلق على ثالث خلافة إسلامية في التاريخ، وثاني السلالات الحاكمة الإسلامية. استطاع العباسيون أن يزيحوا بني أمية من دربهم ويستفردوا بالخلافة، وقد قضوا على تلك السلالة الحاكمة، وطاردوا أبناءها حتى قضوا على أغلبهم، ولم ينج منهم إلا من لجأ إلى الأندلس، وكان من ضمنهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم؛ فاستولى على شبه الجزيرة الأيبيرية، وبقيت في عقبه لسنة 1029م.

والذي قسَّمهُ المؤرخون إلى أول وثاني والأول كان يُطلَق عليه العصر الذهبي والعصر العباسي الثاني.

 

وكان أحد أهم شعراء ذلك العصر هو “أبو فراس الحمداني”.

أبو فراس: كُنية الأسد كنَّاه بها أبوه؛ فقد كان يأمل أن يكون فارسًا شجاعًا وله ألقاب مثل الأمير الفارس أو الشاعر الفارس؛ لكن هذا الشاعر ظلمهُ القدر مرتين، مرةً حين أذاقه مُتعة الغنى والرفاهية والإمارة ثُمَّ أذاقه ظُلمة الأسر، والمرة الثانية حين جعلهُ القدر مُعاصرًا للمُتنبي.

اسمه: الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني التغلبي، أي أنَّ نسبه يمتد إلى قبيلة “تغلب” العربية.

كان أبوه واليًا على الموصل، واليًا للخليفة العباسي “الراضي”، تزوج رومية وأنجب ابنه الحارث الذي وُلد سنة 320 هجرية، وعلى الرغم من ذلك اختلفوا في مكان المولد، والبعض قال أنه وُلد في “منبك” وهو في النهاية من أصول عربية وهو ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة.

 

نشأ يتيمًا لأن أباه قتلهُ ناصر الدولة غدرًا لأنه زاحمه على ولاية”المُوصل”، كان أبو فراس في الثالثة من عمره فَتولى سيف الدولة ابن عمه رعايته وكان القصر يُعرَف بـ “الحلبة”، تعلم علوم اللغة على يد “ابن خالويه” وكان يُفضل شعر أبي فراس على المُتنبي، وكان “أبو الطيب اللُغوي” يتحمس لشعر المتنبي ونافسهم.

حين بلغ أبو فراس السادسة عشر من عمره ولَّاه سيف الدولة منبك وحران في شمال حلب. بغرض التصدي لهجمات الروم وبالفعل حقق عليهم انتصارات كبيرة وذاع صيته وأهم ما حدث في حياته هي حادثة “الأسر”، يُقال أنه كان عائدًا من رحلة صيد سنة 351 هجرية في شوال مع سبعين من رجاله ففاجأه الروم في ألف رجل ورفض الشاعر الهرب حتى أُصيب وأُخذ أسير

 

كانت المواجهات والحروب كثيرة بين الحمدانيين والروم في أيام أبي فراس، وفي إحدى المعارك خانه الحظ يومًا فوقع أسيرًا سنة 347 هـ (959م) في مكانٍ يُعرف باسم «مغارة الكحل»، فحمله الروم إلى منطقة تسمى خَرْشَنة على الفرات، وكان فيها للروم حصنٌ منيع، ولم يمكث في الأسر طويلًا، واختُلف في كيفية نجاته، فمنهم من قال إن سيف الدولة افتداه ومنهم من قال إنه استطاع الهرب، فابن خلكان يروي أن الشاعر ركب جواده وأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات، والأرجح أنه أمضى في الأسر بين ثلاث وأربع سنوات.

وبعدها كتب “الروميات” ومنها قوله: أراكَ عصي الدمع شيمته الصبر

أما للهوى نهيٌ عليكَ ولا أمرُ

بلى أنا مُشتاقٌ وعندي لوعةٌ

ولكن مثلي لا يُذاعُ له سرُ

 

وهنا يُذكر سيف الدولة بالانتصارات التي حققها عن طريق كتابته للروميات، ويشكو حاله واشتياقه لأهله وأحبابه، وهو في الأسر لمَّا تباطأ سيف الدولة في إنقاذه وفديته.

عن المؤلف