15 أكتوبر، 2024

مسيرة حافلة بالصعاب في رحاب مجلة إيڤرست

Img 20220706 Wa0043

 

 

حوار: سارة مجدي

 

لكل منا حكايته الخاصة، وهو يَملُك الكثير من الحكايات؛ فإنه لم يولد أديبََا، ولكن تغيرت المقادير له؛ فقد سرىٰ في دمه حُبِّ القراءة، حتى كان يختلس الكُتب لِقراءتها، وعندما علم حُرمتها توقف عن اِختلاسِهَا، ولم يتوقف قلبه عن حُبِّهَا، فذهب للمكتبات ليقرأ الكتاب كاملََا وهو يقف على قدمٍ وساق حتى يُنهيه ويذهب، الكثير من الصعاب تمر في حياته من مراحل طفولته حتى الكِبر؛ لِيكون دكتور في اللُغةِ العربية، وكاتبٌ عظيمَ الشأنِ، ومُدقق لُغوي عالي القيمة؛ فهو الأديب، والمُعلِّم، والمُدرب، والمُصحح، ولديه الكثير من الألقاب التي تَعني الكثير لمن هم في حياته.

 

الكاتب الدكتور: أحمد محمد فتحي زين العابدين، ولد في الرابع عشر من سبتمبر في عام ألف وتسعمائة واِثنانِ وثمانون، من مدينة قليوب محافظة القليوبية.

يروي لنا الدكتور أحمد أن:

 

مراحل دراسته بدأت مِن والده -رحمه الله-، حيث كان يعلمه القراءة والكتابة والحساب في المنزل، ثم مرحلة “الكُتّاب”؛ فقد تعلم فيه حفظ القرآن والكتابة بشكٍل أوسع، وقد وصل بهم الحال أنهم كانوا يتحدَّونَ بعضهم البعض هو و مَن معه مِن الطلبة في سِنه، فكان كل منهم يكتب آية مِن القرآن بتشكيلٍ كامل دون الرجوعِ إلى المصحف وهذا ما جعل لديه مَلكة اللُغة، وضبط المخارج، وكان في المرحلة الإبتدائية يَطَّلِع على كُتبِ والده فقرأ منها تفسير “الجلالين، وموطأ الإمام مالك”، وكان يذهب إلى مكتبة المدرسة؛ ليقضي بها اليوم الدراسي حتى أثر ذلك على تفوقه الدراسي، ولكنه وجد الكثير مِن النفع في الكُتب الأُخرى الخارجة عن المنهج الدراسي.

 

 

وعندما اِنتُقِلَ إلى المرحلة الإعدادية يَذكُر أنه اِنخفص مستواه الدراسي بسبب سوء الصُحبة، وبسبب اِهتمامه الشديد بالرياضة، وأيضًا لم يكن لديه من يشجعه مِن المعلمين على التفوق، بل كانوا ينفرونهم بالضرب والإهانة حتى كرهوا الدراسة، فَاِتجه لشغفه الذي وجده في القراءَاتِ المتعددة في مَجالات مختلفة عن طريق المكتبات المُنتشرة آنذاك، وممارسة الفنون القتالية التي عشقها.

 

ويَذكُر أنه مِن طريف ما حدث في تلك الفترة أنه كان يختلس الكتب مِن المكتبات؛ لأنه لا يملك ثمنها ثم يقرأها في البيتِ، وعند الإنتهاء منها يُعيدها إلىٰ المكتبة دون أن يعلم البائع، ومكث سنتين على هذا الحال، حتى اِنتبه أن هذا حرام وسرقة، فلجأ إلى أن يذهب إلى المكتبة ويقرأ الكتاب كامل في وقفة واحدة ثم يعود للمنزل.

 

بدأ هنا في سن الثالثة عشر عامًا يكتب أول قصة له وكانت بعنوان “شومان ونعمان في جزيرة القرصان”، تحكي عن أميرة خطفها أحد القراصنة في البحر، وتمر الأحداث لينقذها نُعمان حبيبها وأخوه شومان…وبالطبع تخلو القصة من الحبكات، والبلاغة، وأدات الأديب، لكنها تجربة طفل يبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا وهي مُحصله اِستفادته من الكتب المختلفة.

وذَكر أن القصة كانت بخط يديه وصورها في إحدى المكتبات، ونسخ منها الكثير، ووزعها على أصدقائه في الفصل الدراسي، واِنبهروا بها حتى ظنوا أنه سرقها من إحدى المجلات، ولم يقتنعوا أنه مَن كتبها، حتى حكوا له مواقف مختلفة وطلبوا منه صياغتها بإسلوبِ القصة اللُغوي الفصيح وحدث ما طُلبَ منه.

 

كان يطمح الدكتور أحمد أن يكون طبيبًا أو عالمًا؛ ولكن سوء مُعاملة المعلمين لم تحببه في الدراسة ونزل في مستواه الدراسي، وقد اِلتحقَ بعد الإعدادية بدبلومِ صناعي وهذه بداية الضياع والفشل كمان يظن معظم الناس، وهو أيضًا كان يظن ذلك، أنه يتخرج الطالب بعد ثلاث سنوات ليعمل أيَّ عملٍ وينتهي الأمر، ولكن بداخله شيء يُخبره أنه لديه أشياء كثيرة لم يفعلها بعد، عاد للقراءة واستأنف الكتابة من جديد، وبشكل يُساعد الطلبة فكان يصيغ شرح المواد ويصنع تلخيصات للكُتب، ويضعها في ملازم ورقية، ويبيعها للطلبة، ولكن عندما علم أنه هناك مُدرس يفعل هذا من قَبله توقف عن فعل هذا وعاد للقراءة، وكان له زميل يشجعه ويجلب له الكتب من مكتبة والده.

 

كان يحلم بدخول كلية الهندسة بعد الثلاث سنوات، وقد كانَ صعبََا؛ لأنه يحتاج إلى أموال ومعادلاتٍ دراسية فلم يُوفق في هذا الحلم أيضًا، فبدأ يفكر في دارسة العلم العصري أي “الكمبيوتر” حيث بدأ في الظهور في تلك الفترة -أواخر التسعينات-، وكان يتردد حينها على مسامِعهم: أن الذي لا يعرف التعامل به يُعتبر أُميًا، ولم يكن ظهر التعريف حينها أي الكمبيوتر: عبارة عن جهاز يتم التعامل فيه بأكواد و أوامر باللغة الإنجليزية فقط، فاضطر لتعلم اللغة الإنجليزية حتى وجد شخصًا مِن بريطانيا في مصر، فكان يتردد عليه ويتعلم منه وتفوق معه جدًا، رغم أنه لم يكن بهذا المستوى في دراسة مادة الإنجليزي فَاِكتشف حينها أن: “المعلم بيده إفشال الطالب أو نجاحه”.

 

وضع تركيزه كله في تعلم علوم الكمبيوتر، واللغة حتى وصل لمستوى جيد جدًا، ومِن كثرة حبه للكتب كان من أوائل من صنعوا كُتبًا إلكترونية عن طريق برمجة الحاسوب؛ لكي يخفف عن البحث داخل الكتاب والوصول لما يريد من الكتاب دون التقليب في الصفحات، ووصل عدد الكُتب الإلكترونية لديه إلى ألف وخمسمائة كتاب إلكتروني.

وذَكر أنه بعد ذلك اِتجه لسوق العمل في مجال الكمبيوتر، ولكنَّ القدر دائمًا يجذبه للكتب، وتعامل مع بعض دور النشر في ضبط برامج حسابية لهم، وكانت في هذهِ الفترة بداية الإلتزام الديني فقد قطع فيه شوطًا، ولم يكن يحب التدين لمجرد التدين لكن كان يعجبه التعلم، كان يسمع مصطلحات فقهيه مثل: “صحيح وضعيف ومعضل” وألفاظ كثيرة غريبة، فتعلم العلم الشرعي بعمق كبير وبدأ اِستئناف الكتابة من جديد، فكان ذلك الوقت ظاهرة سَبِّ الرسول -صَلىٰ الله عليه وسلم- من دولة الدنمارك، وكتب في هذا كتابًا ليرد ويبين أخلاق الرسول ونحو ذلك، وتمت طباعة الكتاب وبيع منه ألفيِّ نسخة وكان يحمل اِسم “التبيان الحقيق لموقف الصديق” وهو موقف أبو بكر الصديق من سَبِّ الرسول وموقفنا اِمتثالًا بأفعال أبو بكر، والحكمة التريث نشر الإسلام الصحيح لا بالتشغيب والتظاهر، وكان حينها يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا.

 

بدأت بعدها كتاباته تأخذ المسار الإسلامي على غرار “الرافعي، والعقاد والمنفلوطي، ومحمود شاكر”، وذكر أنه لا يشبه نفسه بهم، لكنهم نصروا الإسلام بقلمهم ونظرًا لتواجدهم في فترات عصيبة على الأمة ودينها، ثم كتب كتابًا آخر بعنوان “تحذير النائين عن كلام الحق المُبين”، وكان يتكلم عن خطورة هجر القرآن وأنواعه، و كيف نُعالجه، وقد تمت طباعته وبيع منه ألف نسخة.

 

ومن هنا بدأ التعرف على عدة دور نشر خصوصًا الإسلامية، فكان يشتري منهم بعض الكتب ولكن يتفاجأ عند قرائته لها ببعض الأخطاء اللُغوية والإملائية، فيقوم بالإتصال بهم لينتبهوا في الطبعات القادمة، وعندما كثُرت اِتصالاته بإحدى الدور عرضوا عليه العمل معهم في التدقيق اللُغوي فوافق، لكنه لم يكن يحب طريقة عملهم في الاِستعجال بخروج المادة العلمية، فاقترح على صاحب دار النشر أن يعمل بخطته وإسلوبه، فأنشأ داخل الدار قسم مُخصص لتحقيق الكتب ومراجعتها بشكل متأني، والتواصل مع المؤلف لفهم مقاصده من ألفاظه لا مجرد التصرف فيها أو إمرارها دون تصحيح، وقد سمى هذا القسم من الدار “القسم العلمي” وكان مديرًا له، حتى بدأ يقلده دور نشر أخرى، وهذا العمل مكنه من قراءة كُتب لا تُعد ولا تُحصى ربما تصل لثلاثة ألف كتاب؛ لأن كل كتاب يدخل الدار لتطبعه كان يمر عليه أولََا ويقرَأهُ ويوافق على طباعته أو لا.

 

_وفي خلال فترة تواجده في دار النشر قام بكتابة ثلاث كتب في صميم العلم الشرعي وهم:

 

كتاب في علم الحديث: جمع فيه ما لا أصل له من الأحاديث، فقد اشتهرت أنها أحاديث لكنها أقوال كاذبة عن الرسول.

 

وكتاب كان عبارة عن مخطوطة قديمة فيها منظومتين شعريتين، واحدة في علم القراءات القرآنية، والأخرى في علم الحديث، وكان عمر المخطوطة أكثر من ألف سنة ومكتوبة بخطٍ قديم، فقام بنسخها وتعديل السقطات فيها وأخرجها في كتاب.

وكتاب ثالث في بعض الأدعية الغير صحيحة التي انتشرت على ألسنة الناس.

 

_وكتبَ أيضًا مقالات عديدة لا حصر لها ما بين مقالات أدبية وإسلامية ولُغوية من هذه المقالات:

 

مقال بعنوان “الوِرد الأدبي” جمع فيه أهم مراجع كُتب الأدب.

 

ومقالات توجيهية مثل مقال: المنهجية في قراءة السيرة والتاريخ.

 

-ومقالات لُغوية، مثل مقال: يُعتَبر

 

ومقال آخر بعنوان: الذي عليه المستقر بين الرافعي والعقاد.

 

 

كل هذا وهو شهادته دبلوم صنايع ولكن القراءة والعلم يرفع صاحبه، وعندما كثر التساؤل عن شهادته بدأ التفكير في دخول كلية في هذا المجال، فوجد أن دار العلوم من أهم وأقوى الكليات في هذا الأمر، وكان لازال نظام التعليم المفتوح قائمًا ويحق الدخول فيه لحاملي أي شهادة ثانوية أو صناعية أو أي شيء، وكانت فرصته فتقدم للكلية وكان هناك اِختبار قبول: وهو اِختبار شامل في الأدب، والشعر، واللُغة، والنحو، والبلاغة، ولم يمر مِن هذا الاِختبار إلا عددًا قليل جدًّا وكان من بينهم، وبعد النجاح في اِختبار القبول في الكلية بدأ الحضور وكان مُنبهر كثيرًا بالسادة الأساتذة.

 

ويَذكر أنه رأى فيهم علماء بحق لا يعرف أحد عنهم شيء، واِستطاع الحصول على العلم منهم بشكل أكاديمي منظم، وهذا فتح مداركه لأشياء لم يكن سَّمِعهَا من قبل، وأنهىٰ الدارسة أربع سنوات بتقدير جيد جدًا من «جامعة القاهرة»، ثم اِلتحقَ الدراسات العليا والماجستير والدكتوراة من «جامعة المنصورة» في تخصص الدارسات الأدبية.

 

وخلال تلك الفترة يذكُر أنه لم ينقطع عن كتابة المقالات المختلفة في الإسلاميات والأدب واللغة، ومن ضمن ما طبعه أيضًا كتاب مخطوط قديم بعنوان “وصايا الآباء للأبناء”، حققه وشرحه، وتمت طباعته، وبيع منه ألفيِّ نسخة.

 

إضافةََ لبعض المقالات الأدبية التي صدرت مؤخرًا في أعمال جماعية، حيث اقترح عليه بعض الشباب مشاركتهم ببعض المقالات منهم كتاب “تفاصيل حزينة”، وهي خواطر أدبية، وتم تكريمه على هذه الخواطر الأدبية والحصول على “جائزة سفراء التميز والإبداع”: وهي جائزة تُمنح للأدباء، والشعراء المميزين، من المجلس الأعلى للثقافة ونقابة الإعلاميين، والمجلس الأعلى للصحافة والإعلاميين العرب، بحضور بعض الفنانين والمثقفين.

 

وخواطر أدبية أخرى تمت طباعتها في كتاب بعنوان: “عنان القلم”، وكانت هذه الكتب ضمن الأكثر مبيعًا في معرض القاهرة الدولي، بجانب شغفه باللُغة أيضًا كان ولعًا بممارسة الرياضة منذ الصغر؛ حيث أنه مدرب لأربع فنون قتالية وهي: “تايكوندو، ملاكمة، كيك بوكسنج، وينج تشون”

 

حيث بدأ الثلاثة ألعاب الأولى من سن الطفولة، فقد كان يختلس الوقت بين الدروس ويتمرن، واِحترفَ الكيك بوكسينج عندنا سافر إلى قبرص وكان يزور أخيه ويتمرن هناك أيضًا، و أوضح أنه يوجد إصابات كثيرة تحدث أثناء ممارسة الرياضة لذلك درسَ علم التغذية، وجوانب العلاج الطبيعي، و التشريح، والإسعافات الأولية، والأحمال التدريبية…وأوضح أنه تعمق في هذه الدراسات؛ لأن المدرب يجب أن يكون لديه إجابات لكل شيء، ويجب أن يُسعف أيضًا المُصابين، لذلك حصل على:” دبلومة تغذية رياضية، دبلومة تغذية علاجية”

وهذا جعله يُعد لعيبة كمال أجسام لصعود العروض المسرحية، ولعيبة فنون قتالية من حيث تدريبهم وتغذيتهم قبل القتال.

 

وشارك أيضًا في بطولات حيث اِنتهى من بطولة جمهورية في الملاكمة سنة ٢٠٢٢، وحصل على بطولات دولية في كيك بوكسينج، وحاليًا هو مدرب دولي معتمد من الإتحاد العالمي للكيك بوكسينج في الولايات المتحدة الأمريكية، ومدرب كمال أجسام وأخصائي تغذية معتمد من الإتحاد الأوروبي.

 

وحصل على بطولة جمهورية من الإتحاد المصري للكونج فو في رياضة الوينج تشون، والآن هو مدرب وينج تشون: وهو فن قتالي غير مشهور وكعادته درسه بعمق وحاليًا هو مدرب فيه.

 

يُغلق الستار وتجف الأقلام، ولم يتوقف هذا الكاتب والدكتور والمدرب والمعلم الطموح بطبعه والمجتهد بالفطرة السليمة؛ ليوضح أن لا مستحيل مع السعي، وأن لا تنظر لنجاح العابرين مِن حولك، فلكل منهم قصة تحمل في طياتها الكثير من المصاعِب، وكم صابروا وكابدوا حتى يصلون لِمَا هم عليه الآن، كما هو الحال مع الكاتب الدكتور أحمد محمد فتحي زين المُلقب: “أبو مارية بن فتحي”.

عن المؤلف