كتبت: آية الهضيبي
نعيشُ في مُجتمع لا نستطيع الانعزال فيه عن الناس وإذا حدث فلا يكون لفترة طويلة، والعلاقات الإنسانية كثيرة ومُعقدة في بعض الأحيان ولا يُمكننا الحُكم على الناس إلا بالظاهر؛ لأننا لا نملك حق الحُكم على ما يُخفون.
قالوا في إحدى الأمثال “حذَّر ولا تخوِّن” أي لا تخاف ولكن احذر، وقد كتبتُ سابقًا مقالًا عن فوبيا العلاقات وأنَّ البعض يُفضِّل عدم تكوين معارف جديدة أو الاختلاط كثيرًا بالناس، وقد جاء في جزء من الحديث الشريف المشهور الذي ثبت سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم في علامة المنافق، جاء في حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر”، فهذه العلامات المذكورة في الحديث تشير إلى مكان العمل في الإيمان، فالعمل هو تمام الإيمان وكماله، وبه يظهر الفرق بين المؤمن الموحد والكافر المعاند، أما المنافق فلا يمكن الوقوف على صدق إيمانه وإخلاصه إلا ببعض الصفات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، وهي: الكذب، الخيانة، والخلف في الموعد، والفجور في الخصومة.
ويُقصد بالنفاق هُنا النفاق في المُعاملة وليس العقيدة وقد فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في اللغة هو من جنس الخداع والمكر وإظهار الخير وإبطان خلافه، وهو في الشرع ينقسم إلى قسمين: أحدهما: النفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا هو النفاق الذي كان على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار. والثاني: النفاق الأصغر، وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك. وأصول هذا النفاق ترجع إلى الخصال المذكورة في هذه الأحاديث.
الخصلة الثالثة: إذا خاصم فجر ويعني بالفجور أن يخرج عن الحق عمدا حتى يصير الحق باطلا والباطل حقا، وهذا مما يدعو إليه الكذب، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار».
فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا – على أن ينتصر للباطل، ويخيل للسامع أنه حق، ويوهن الحق، ويخرجه في صورة الباطل، كان ذلك من أقبح المحرمات، ومن أخبث خصال النفاق. وفي ” سنن أبي داود ” عن ابن عمر، عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، قال: «من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع» . وفي رواية له أيضا: «ومن أعان على خصومة بظلم، فقد باء بغضب من الله».
وما أعظم أنْ يذكُر الله صفة الفجور في المؤمن بِارتكابه خصلة البوح بأسرار الغير عند الخصام وعدم عمل أي اعتبار لدين أو أخوة أو صداقة أو أي علاقة كانت تجمعهم.
ما هو الفجور في الخصومة؟ الفجور هنا هو الميل عن الحق، والقول بالباطل، يقول أهل اللغة: أصل الفجور الميل عن القصد. والمراد هنا أن المنافق أو من يكون في حكمه من المسلمين فإنه إذا وقعت بينه وبين الناس نزاع في أمر دنيوي مثلا فجر في الخصومة، ويمكن تصوير الفجور في حالتين كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: الأول: أن يجحد ما كان عليه من الحق والثاني: أن يدعي ما ليس له من الحق.
وفي النهاية فإن الخصال المذكورة تعد خصال السوء لا تليق بأي إنسان ناهيك المسلم الصادق في إيمانه وأخلاقه، الذي يطابق ظاهره باطنه، فالمؤمن لا يكون منافقا ولا يقبل أن يرى عليه شيئا من أعمال النفاق.
المزيد من الأخبار
“عبد الرحمن السميط” رجل بأمة ” خادم الفقراء واليتامى”
تابع ولاية عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)
المراهقة في عصر الإنترنت: التحديات والحلول