أهم ما يبني الإنسان

Img 20221021 Wa0001

كتبت: كارلا سليمان 

 

نسعى في كلّ العلاقات الّتي تربطنا مع الأخرين ومهما

كان نوعها ومسماها (صداقة، أسرية ،عاطفية….) إلى الوصول لمرحلة نتبادل فيها معهم الثقة ظنًا منا أنّ الثقة شيء أساسي لاستمرار العلاقات، ولا شك أنّ لمنح الثقة شروط تختلف من شخصٍ لأخر، لكن يجب علينا جميعًا أن ندرك تمام الإدراك أنّ الأحق في هذه الثقة من بين جميع الناس هي النفس والذات.

 

لذلك سأروي لكم رحلتي في اكتشاف جانبٍ من ذاتي وتجربتي في تشييد بناء عظيمٍ ومهمٍ اسمه “بناء الثقة بالنفس”، وسأترك لكم بين سطوري مفاتيحَ أساسية ساعدتني في الوصول إلى الثقة التامة بالنفس.

 

قبلَ سنواتٍ قليلةٍ كنتُ طالبةً في الجامعة وتحديدًا في السنة الأولى من المرحلة الجامعية، فتاةٌ قوية وصغيرة وذكية لديّ الكثيرُ من الأفكار والرغبة في القيام بالكثير من الأعمال والاهتمام بما أحبّ كالتطوع مثلاً والاهتمام بما أشعر أنني ولدت من أجله وأنهُ رسالتي الحقيقية في الحياة “الإعلام”.

 

ولكن رغم وجود هذه الأفكار والرغبة كنت في الحقيقة أخشى طرحها  وأخشى النقاش بها مع الآخرين وسماع آرائهم وبخاصة أبناء جيلي، وكنت أتردد في البدء بالقيام بما أحبّه.

 

اكتشفت فيما بعد أنّ مشكلتي ليست في أبناء جيلي ولا في آرائهم ولا أفكارهم وإنما المشكلة الحقيقية التي تمنعي من البدء بأي شيء هي قلة الثقة بقدراتي وبنفسي،

هنا قررت المواجهة…. مواجهة ذاتي ومخاوفها وأوهامها ووضعها تحت الاختبار لأحصل على نتيجة توضح لي وبإجاباتٍ دقيقةٍ وواقعيةٍ أسئلتي هل نفسي تستحق أن تعطى كلّ الثقة؟ هل نفسي وما لديها من موارد ومميزات مهما كانت بسيطة أحق من غيرها بالثقة؟ ولماذا عليّ أن أمنحها الثقة؟ وكيف أضع اللبنات الأولى لبناءِ أشيّده وأسميه بناء ثقتي بنفسي؟.

 

 

الخطوة الأولى كانت بجلسة حوار صريح ومنفتح مع نفسي طرحت عليها الكثير والكثير من الأسئلة وكلّ إجابة كنت أدونها على ورقة، وفي نهاية الحوار امتلأت ورقتي بالإجابات التي قرأتها مرارًا وتكرارًا حتى توصلت إلى وضع خطة اختبر بها نفسي وثقتي بها.

 

فقررت أولاً البحث عن فرصة عمل، وبسبب صغر سني وعدم امتلاكي أي خبرة عملية كانت أمامي الكثير من العراقيل في الحصول على هذه الفرصة ولكن في النهاية حصلت عليها وبدأت بالعمل وتحملت مسؤولية نفسي بكلّ التفاصيل ومن هنا بدأ التشييد وكانت هذه الخطوة اللبنة الأولى في “بناء ثقتي بنفسي”.

كنت أعمل وأكمل دراستي الجامعية معاً وهذا كان تحدٍّ لي نجحت في تجاوزه، ووضع هذا التحدي بكلّ فخرٍ اللبنة الثانية في البناء.

في هذا العمل تحديدًا تعرفت إلى الكثير من الأشخاص الذين علموني الكثير فكنا نتناقش ونتحاور في كلّ أمور الحياة، وكنت أطرح أفكاري التي اكتشفت أنّها حقًا أفكار رائعة عندما وجدت إعجابًا بها وعند الأخذ بها وتطبيقها في العمل أو في الحياة الشخصية لزملائي، اختبرت نفسي في الكثير من المواقف وفي كلّ موقف كانت تثبت لي أنّها الأجدر بالحصول على هذه الجائزة العظيمة ألا وهي الثقة، وهنا أيضًا لبنة جديدة أضفتها للبناء.

 

فيما بعد اضطررت للتوقف عن العمل فقد أصبحت على بعد خطوات قليلة من أبواب التخرج وأحتاج للتفرغ من أجل الدراسة، ولكن وبما أنني شخصية تحبّ العمل كثيرًا وترى في العمل حياة حقيقية قررت البحث عن عمل جديد ومرة أخرى كسبت الرهان وأضفت لبنة جديدة لبناء الثقة بنفسي عند حصولي على عملٍ جديدٍ.

 

أضاف إليّ هذا العمل الكثير من الخبرات والمعارف والمعلومات والعلاقات، وتمكنت مرة أخرى من مشاركة أفكاري مع فريق العمل ومرة جديدة اختبرت نفسي في العديد من المواقف، وفي هذه المرحلة تحديداً امتلكت قدراً جيداً من الثقة بالنفس ولكن ما زال يحتاج إلى التعزيز والتنمية فقررت البدء بمواجهة جديدة واختبار شيء جديد أحبّه ويضيف لي ولشخصيتي الكثير وهو التطوع وفعلاً كان لي ما أريد، ونتيجةً لما حصلت عليه من معارف وتجارب ومعلومات من هذه التجربة وضعت بيدي لبنة وحجراً جديداً ومميزاً في بناء الثقة.

 

ولكن الحجر الأميز والأحبّ إلى قلبي والذي أيضاً أضفتهُ بيدي وكلّي ثقة أنّه الركيزة الأساسية لي ولمستقبلي هو التعرف أكثر وعن قرب على المجال الذي أحبه “الإعلام”، بحثت وبحثت وتعرفت إلى هذا المجال الرائع والمميز وإلى الكثير من الأشخاص الذين يمتلكون الموهبة التي جعلتهم مميزين في هذا المجال.

ومن هنا بدأت مرحلة جديدة أضافت حجراً جديداً وأساسياً فبدأت العمل بالتدقيق النحوي والإملائي وكتابة المقالات لموقع إلكتروني، وتخرجت من الجامعة بعد أن اجتزت اختبارًا ل15 مادة جامعية في فصلٍ واحد.

 

ربما قد تجد عزيزي القارئ هذه الأمور بسيطة وروتينية وتسأل نفسك ما شأنك بها؟ ولماذا أشاركك بها؟

سأجيبك بكلّ بساطة….أحبّ مشاركتك رحلتي في اكتشاف ذاتي ومنحها المكافأة الأعظم “الثقة” في نهاية الرحلة، لكي أؤكد لك أنني لم أكن لأحصل على هذه الثقة لولا الخوض في الحياة واختباراتها، ولولا بحثي واستمراري بالتعلم وقطف ثمار المعارف والمعلومات من شجرة العلم الكبيرة.

وأنني اليوم سعيدة جدًا بكوني شخصية مستقلة واثقة من نفسها ومن قدراتها وبما منحها الله من ميزات، شخصية لها أفكارها وآرائها الخاصة التي تحظى باهتمامٍ كبير من الناس، شخصية تقرأ كثيراً وتسعى دائماً للتعلم من خلال اكتشاف كلّ ما يشغل بالها وتهتم به.

أنا اليوم خريجة جامعية ولديّ عمل بالإضافة إلى أنني كاتبة مقالات لمجلة عربية مصرية مميّزة “إيفرست”،ولدي الكثير من الأصدقاء والمعارف.

أخبرك برحلتي لكي أؤكد لك أنني اليوم عندما أتطلع إلى ما حققت وإلى ما وصلت إليه أتأكد أنني لم أخطئ أبداً عندما قررت مواجهة ذاتي وتحديها من أجل اكتشافها وتعزيز ثقتها بما تمتلك.

لذلك يا صديقي اكتشف نفسك بعيوبها وميزاتها وتصالح معها ولا تقلل من شأنها أبداً ولا تقارنها بأي أحد ودللها واعمل ما تحب واكسب الأصدقاء أينما حللت وتعلم من كلّ مصدر علم ومعرفة، فكلّ هذه الخطوات البسيطة ستساعدك على معرفة ذاتك جيداً.

وتأكد أنّ المفتاح الأفضل للنجاح  وبلا منازع هو الثقة بالنفس ولا تنسى تعزيز هذه الثقة وتنميتها دائماً…ومثلما تمنح الكثير من الناس ثقةً قد تكون في غير موضعها امنح نفسك ثقةً كبيرة فهي الأحق والأجدر بها.

والأهم من ذلك  لا تخلط بي ن الثقة بالنفس والغرور والأنانية.

عن المؤلف