المحرر: التومة بابكر الصديق حمد
في زمنٍ تتعالى فيه أصوات الحروب وتخفت فيه أنفاس المعرفة، تأتي الدكتورة هادية يوسف عبدالرحمن لتثبت أن العلم لا يعرف حدودًا ولا توقفه أزمات. من قلب السودان، ومن بين رماد الحرب وأصوات النزوح، خرجت لتكتب بلغة الصمود، ولتُرفع مؤلفاتها الأكاديمية على أرفف معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام، عبر دار نبض القمة التي منحت صوتها العلمي منبرًا عربيًا واسعًا.
الدكتورة هادية — الأكاديمية والكاتبة التي جمعت بين البحث العلمي والقصة القصيرة — تحدثت إلينا في هذا الحوار الخاص عن تجربتها، عن وطنها، وعن إصرارها على أن يبقى العلم رسالة تتحدى المستحيل.
بدايةً دكتورة، نبارك لكِ المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام… كيف تصفين إحساسك وأنتِ تشاهدين ثمرة مجهودك الأكاديمي على أرفف المعرض؟
والله صراحة إحساس لا يوصف وأنا بشوف ثمرة جهد واجتهاد لثلاث سنوات تحت ضغط الحرب والظروف القاسية في بلادي السودان. أنا في غاية السعادة لأن دار نبض القمة رفعتني إلى القمة من خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب… وكيف لا وأنا في “أم الدنيا”، تلك الأم الحنون التي احتضنتنا طيلة هذه الحرب ولم تئنّ. فخورة أن عملي خرج للنور وعرفته جمهورية مصر العربية.
حدثينا عن كتابك «البحث العلمي: مناهجه ومشكلاته في الوطن العربي» الذي تشاركين به هذا العام، ما الفكرة الأساسية التي أردتِ إيصالها من خلاله؟
يتناول كتابي قضية تمس حاضر ومستقبل التنمية في وطننا العربي، وهي واقع البحث العلمي بين الطموح والتحديات. أردت أن أُبرز أن البحث العلمي ليس نشاطًا أكاديميًا فحسب، بل رافعة حقيقية للتطور الاجتماعي والثقافي. مشكلات البحث العلمي ليست في غياب الكفاءات، بل في غياب البيئة الداعمة والمنهجية المتكاملة، وأتمنى أن يكون الكتاب دعوة لتبني مشروع عربي موحّد للنهوض بالبحث العلمي.
كيف جاءت فكرة التعاون مع دار نبض القمة؟ وهل كانت هذه أول تجربة نشر لكِ معهم؟
جاء التعاون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكان تواصلاً راقيًا ومهنيًا جدًا. نعم، هي أول تجربة لي مع دار نبض القمة، ولن تكون الأخيرة بإذن الله، لأنني وجدت فيهم احترامًا للمؤلف وحرصًا على جودة العمل وإيصاله للقارئ بأفضل صورة.
من خلال تجربتك، ما أبرز المشكلات التي تواجه البحث العلمي في وطننا العربي؟
المشكلة ليست في الكفاءات بل في البيئة. نحتاج إلى مؤسسات تشجع التعاون وتوفّر التمويل وتُحدث المناهج بما يواكب متطلبات العصر. المشكلة بيئية ومؤسسية قبل أن تكون منهجية.
إلى جانب مسارك الأكاديمي، لكِ حضور أدبي مميز في القصة القصيرة، كيف وُلد هذا التوازن بين الصرامة البحثية وحرية الأدب؟
لم أختر الفصل بينهما، فالعقل الذي يحلل هو نفسه الذي يتأمل. البحث يمنحني الدقة، والأدب يمنحني الروح. كلاهما يكمل الآخر.
فوزكِ بالمركز الخامس على مستوى الوطن العربي في القصة القصيرة، إلى أي مدى كان حافزًا للاستمرار؟
كان نقطة تحول مهمة. منحني ثقة ومسؤولية أكبر تجاه الكتابة، لأن الجوائز لا تصنع المبدع لكنها تشجعه وتؤكد أن صوته مسموع.
ذُكر أن إحدى قصصك كانت موضوعًا لبحث ماجستير في الجزائر… كيف استقبلتِ هذا الحدث؟
كان شعورًا بالدهشة والفخر، أن تتحول تجربة شخصية إلى مادة بحثية هو دليل أن الكلمة الصادقة تعبر الحدود. هذا الموقف جعلني أقدّر الكلمة أكثر وأؤمن أن الأدب يُحدث فرقًا حقيقيًا.
ما الذي يميز تعاونك مع دار نبض القمة عن التجارب السابقة؟
اهتمامهم الحقيقي بالمؤلف وبالتسويق الجيد للعمل. جعلوا الكتاب الأكاديمي تجربة تفاعلية وليس مجرد مادة جامدة. وهذا ما أقدّره جدًا فيهم.
هل تتوقعين أن يجد كتابك الأكاديمي صدى لدى جمهور المعرض؟
نعم، لأن الكتاب يلامس مشكلات حقيقية في البحث العلمي، ويقدّم حلولًا عملية. أظن أنه سيجذب المهتمين بالفكر والمعرفة.
دار نبض القمة معروفة بدعمها للمواهب الجديدة، كيف ترين هذا الدور؟
أراه مهمًا للغاية، لأن دعم الأصوات الجادة هو استثمار في الوعي والمعرفة. نبض القمة تفهم معنى الكلمة ومسؤوليتها في بناء الوعي العربي.
دار نبض القمة معروفة بدعمها للمواهب الجديدة، كيف ترين هذا الدور؟
كانت لحظة تحقيق حلم. شعرت أن جهدي الطويل وجد من يقدّره، وأن العمل الأكاديمي يمكن أن يصل للجمهور الواسع لا أن يبقى في الأدراج الجامعية.
هل سنرى أعمالك القادمة أيضًا مع دار نبض القمة؟
بإذن الله نعم، لأن التجربة كانت مشجعة جدًا، وسأواصل معهم سواء في أعمالي الأكاديمية أو الروايات الاجتماعية الثلاث التي أعمل على إنهائها حاليًا.
كونك من السودان ماذا تودين أن تقولي عنه؟
السودان بلد عريق في التاريخ والثقافة، يمتاز بتنوعه العرقي واللغوي وإرثه الأدبي الغني. وعلى الرغم من التحديات والحرب التي مر بها، لم يؤثر ذلك على إبداعي أو استمراري في الكتابة، بل زادني إصراراً على نقل قصص وتجارب بلدي وإثراء المشهد الأدبي والثقافي.
من الخرطوم إلى القاهرة… العلم لا يُهزم
بين دخان الحرب في السودان ونور القاهرة الذي لا ينطفئ، سارت الدكتورة هادية يوسف عبدالرحمن بخطوات واثقة تحمل معها علمًا وأملًا ورسالة. مشاركتها في معرض القاهرة الدولي للكتاب ليست فقط انتصارًا شخصيًا، بل هي رسالة من كل باحث سوداني يقول: قد تُهدم المدن، لكن الفكر لا يُهزم، والكلمة باقية ما بقي الإنسان.






المزيد
زهرة الربيع… حين تتفتح الكلمة ورقًا حوار مع الكاتبة: أسماء جابر
ما بين هارمونيكا وتناسخ… كاتبة تسائل المصير
مابين كل حرف وسطر نكتشف الدكتورة: ايمان فؤاد وعالمها الخيالي