مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الفصل التاسع: صمت الهارب.. وضجيج المطارد

 

🔹 الجزء الرابع والأخير

حين يسكت الهارب، لا يعني أنه لا يملك ما يقوله،

بل لأنه يعرف أن بعض الكلمات لا تُقال إلا لتُفقِد معناها.

وحين يصرخ المطارد بصمته،

فهو لا يبحث عن ردّ، بل عن “تفسيرٍ” لما حدث داخله.

كلّ منهما ينتظر الآخر أن يفهم دون أن يشرح،

كأنّ بينهما لغةً قديمة ضاعت حروفها،

وأصبح كلٌّ منهما يقرأ السطور بطريقةٍ مختلفة.

الهارب يرى في المسافة خلاصًا،

والمطارد يرى فيها خيانة.

لكنّ الحقيقة – يا صديقي القارئ –

أن المسافة ليست دائمًا عقابًا،

بل أحيانًا هي آخر محاولة للنجاة.

تتبدّل الليالي،

ويمضي كلّ طرفٍ في طريقه،

لكنّ شيئًا غامضًا يبقى عالقًا بينهما،

كأنّ “الصمت” لم يكن فِعلًا، بل عهدًا غير مكتوب.

عهدًا يقول: سأرحل، لكنك ستبقى في الجزء الذي لا يراه أحد من قلبي.

الهارب لا ينسى بسهولة،

والمطارد لا يسامح سريعًا،

لكنّ كليهما يلتقيان يومًا – لا وجهًا لوجه –

بل في فكرةٍ مشتركة،

في أغنيةٍ تذكّرهما بما كان،

في مشهدٍ عابرٍ على الطريق يُعيد الصدى القديم للحضور الغائب.

لقد كانا، ببساطة،

اثنين خافا من الحبّ بطرقٍ مختلفة.

هو هرب ليحمي نفسه،

وهي طاردت لتحمي ما ظنّت أنه يستحق القتال.

لكنّ كلاهما خسر المعركة،

لأن الحبّ لا يُنقَذ بالهروب ولا بالمطاردة،

بل بالفهم، والوعي، والصدق.

أيها القارئ،

حين تجد نفسك في صراعٍ بين من يهرب ومن يطارد،

تذكّر أن أصدق الحبّ هو الذي لا يحتاج لإثباتٍ ولا إنقاذ.

وأن الصمت لا يُدين، بل يُعرّي.

فاحذر أن تملأ الفراغ بينك وبين الآخر بالظنون،

فربما كان الصمت رسالته الأخيرة،

وربما كان ضجيجك ما أطفأ آخر ما تبقّى من صدقه.

🕊️ الهارب لم يهرب عنك، بل عن وجعٍ لم يستطع أن يشرحه،

والمطارد لم يطاردك، بل طارد صورةً لما كان يخاف أن يفقدها.