الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى
الفصل التاسع: صمت الهارب.. وضجيج المطارد
🔹 الجزء الثاني
حين يصمت الهارب،
يبدأ المطارد في تفسير الصمت كما يشاء:
يظنّه تجاهلًا، أو خيانة، أو عقابًا،
بينما هو في الحقيقة محاولة بائسة للنجاة.
ذلك الصمت لا يعني “لا أريدك”،
بل “أخاف أن أؤذيك أكثر إن بقيت”.
إنه تراجع نابع من الخوف لا من اللامبالاة،
من الحرص لا من القسوة.
لكنّ المطارد لا يسمع هذه اللغة،
فهو لا يجيد قراءة الفراغ،
بل يحتاج إلى ضوضاء تُشعره بالاطمئنان.
ولأن الهارب لا يمنحها،
ينقلب الحب بداخله إلى معركة،
وصار يريد إثبات وجوده لا مشاعره.
المطارد يرى الصمت سيفًا مرفوعًا،
ويرى التجاهل حربًا غير معلنة.
لذا يُقاتل بالكلمات، بالرسائل، بالذكريات،
يحاول إحياء ما مات،
كأنه يرفض أن يُسلّم بأن النهاية قد كُتبت بالفعل.
ومع كل محاولة،
يخسر جزءًا من نفسه دون أن يدرك.
بينما الهارب، في الجهة الأخرى من المسافة،
يراقب كل هذا بصمتٍ أكثر ثقلًا.
فهو يرى، ويسمع، ويشعر،
لكنّه لا يردّ.
ربما لأنه يعلم أن كل كلمة سيقولها
ستفتح بابًا لا يستطيع إغلاقه بعدها.
وربما لأنه تعب من الشرح لمن لا يفهم السكون إلا ضعفًا.
يا قارئي،
في كل مطاردٍ بقايا هاربٍ قديم،
وفي كل هاربٍ مطاردٌ ميتٌ من فرط المحاولة.
إنهما وجهان لحزنٍ واحد،
تغيّرت ملامحه، لكنّ جوهره واحد.
فحين يصمت أحدهما ويصرخ الآخر،
فليعلم الاثنان أنهما لا يتحدثان لغتين مختلفتين،
بل ينطقان ذات الألم بصيغتين متناقضتين.
🕊️ الصمت لا يعني الغياب، والضجيج لا يعني الحضور؛
إنما هما طريقتان مختلفتان لقول الجرح ذاته.






المزيد
لحظات لا تنسى بقلم سها مراد
جميعنا قصصٌ تُروى بقلم فاطمة فتح الرحمن أحمد
أيام ديسمبر بقلم: دلال أحمد