مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى

الفصل الثاني عشر: ما لم يُقَل بينهما

 

🔹 الجزء الثالث

هناك نوعٌ من المواجهة لا تُدار بالكلمات،

ولا تحتاج إلى لقاء،

هي تلك اللحظة التي يرى فيها أحدهما الآخر بعد غيابٍ طويل،

فتتحدث العيون بما عجز اللسان عن قوله.

يحدث ذلك في ثانيةٍ واحدة،

لكنها تختصر شهورًا من الانتظار، وسنين من الأسئلة التي لم تجد إجابة.

نظرة واحدة كفيلة بأن تفتح كل الأبواب المغلقة في الذاكرة،

تُعيد النبض الذي هدأ،

وتُثير الصراع القديم بين القلب والعقل:

أأقترب من جديد؟ أم أترك المسافة تحفظ كرامتي؟

ما لم يُقَل بينهما يتحوّل في تلك اللحظة إلى وجعٍ ناعم،

لا يصرخ ولا يُغني،

بل يكتفي بأن يكون حاضرًا كظلٍّ يذكّرك بما كان،

وبما كان يمكن أن يكون.

الهارب يحاول أن يبدو متماسكًا،

ينظر إلى الأرض أو إلى أي شيءٍ عابر ليهرب من عيني المطارد،

أما المطارد، فيتظاهر باللامبالاة،

لكنه في داخله يحاور نفسه عشرات المرات،

يُعيد ترتيب الجُمل التي لم يقلها،

ويُبرر الصمت الذي اختاره.

ثم تمرّ اللحظة…

كأنها لم تكن.

لا أحد قال شيئًا،

لكن كل شيءٍ قد قيل.

لقد أدرك كلٌّ منهما الحقيقة ذاتها:

أن الفُراق ليس نهاية، بل اعترافٌ متأخر بأنّ الطريقين لم يُخلقا ليتقاطعا طويلًا.

وأن بعض الصمت لا يعني الهزيمة،

بل هو احترامٌ لقداسة ما تبقّى من العلاقة بعد أن تكسّر الحلم.

ما لم يُقَل بينهما صار سلامًا صامتًا،

يُقال في القلب كلما مرّت الذاكرة من هناك.

 

#الهاربوالمطاردفلسفةالتعلقوالانسحاب

#هانى_الميهى