مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

محمد خطاب يكتب …  ه‍ُدم البيت .. وبقي الباب مفتوحاً

 

 

في البداية، كنا نعتقد أن الحبّ هو ذلك الضوء الذي لا ينطفئ، وأن الوجوه التي نحبّها هي شموسٌ دائمة الشروق. لكنّ الحياة تُعلّمنا، بقسوةٍ لا ترحم، أن كلّ شيءٍ ينطفئ، وأن كلّ شمسٍ تغيب. ويبقى القلبُ وحيدًا، كصحراء ممتدة، لا ظلّ فيها إلا لأشباح الماضي، ولا صوت إلا لزئير الوحدة.

 

الرحيل: حين يصبح الوجود غيابًا

 

لماذا يرحلون؟

لماذا يتركون قلوبنا كبيوت مهجورة، تُعلّق على جدرانها صورٌ بالية، وتتراكم في زواياها أغبرة السنين؟

لماذا يعدوننا بالبقاء، ثمّ يختفون كالضباب، وكأنّنا لم نكن يومًا جزءًا من أحلامهم؟

 

الغريب أنهم لا يموتون، بل يتحوّلون إلى أمواتٍ أحياء. نسير بجوارهم في الشوارع، نلتقيهم في العيون، نسمع أصواتهم في أصوات الغرباء، لكنّهم لا يعودون أبدًا. يصبح وجودهم مجرّد شاهد قبرٍ في مقبرة الذاكرة، نزوره ليلًا، نبكي عليه، ثمّ نعود إلى بيوتنا الخالية.

 

الوجع: حين يصبح الألم هو الوطن

 

هل تعرف كيف يشعر القلب حين يتحوّل إلى جرحٍ مفتوح؟

ليس كالطعنة السريعة التي تنزف ثمّ تندمل، بل كسكينٍ صدئة تُغرز ببطء، يومًا بعد يوم، حتى تصبح جزءًا من لحمك. تصبح مُعتادًا على الألم لدرجة أنك تخشى لو توقف فجأة، لأنّه صار آخر ما تمسك به من “وجود”.

 

في الليل، حين ينام العالم، تستيقظ وحششتك. تتقلّب على فراشٍ من الجمر، تُحادث السقف، تُراجع الأسماء التي غدرت، الوجوه التي خانت، والقلوب التي تحجّرت. تسأل نفسك: “هل كنتَ سهلَ الهزيمة إلى هذا الحدّ؟ أم أنهم كانوا أقوياءً في القسوة؟”

 

الغربة: حين تصبح نفسك سجنًا لا تهرب منه

 

أتعرف ما هو أقسى من أن تُهجَر؟

أن تهجر نفسك.

أن تشعر أنك غريبٌ في عالمك، ضيفٌ ثقيلٌ على حياتك. تفتح عينيك كلّ صباح على شبحٍ يُشبهك، يضحك كأنّ كلّ شيءٍ على ما يرام، لكنّه من الداخل… ينزف.

 

تتعلّم أن ترتدي الأقنعة ببراعة. تُتقن لعبة “أنا بخير”، بينما الروح تنهار كقلعةٍ من ورق. تصبح خبيرًا في إخفاء الدموع خلف الضحكات، وفي كتم الأنين تحت وسادةٍ لا تُشاركك الأحزان.

 

الخاتمة: ربما…

 

ربما يأتي يومٌ نتعلم فيه أن الحزن ليس عدوًا، بل هو الشاهد الوحيد على أننا كنّا أحياءً بما يكفي لنحبّ، ونخسر، وننكسر.

ربما نكتشف أن هذه القلوب المحطّمة لم تكن ضعيفة، بل كانت شجاعةً جدًا في منح الثقة لمن لا يستحقّ.

وربما… نجدُ أنفسنا يومًا ما، بعد كلّ هذا العذاب، نضحكُ ضحكةً حقيقية، لا تخفي خلفها دموعًا، ولا تحمل في طيّاتها ذكرى جريح.

 

لكن حتى ذلك اليوم،

لا بأس أن تبكي.

لا بأس أن تنكسر.

فبعض القلوب تحتاج أن تموت قليلًا… كي تُولد من جديد.