كتبت: كلاوديا عاطف
“الحاضر هو كل ما ليس بوسعنا أن نتجاوزه، أيًا كان زمنه. كل فقد هو حاضر، وما يجعل الحاضر الوحيد بالنسبة إلى أناس كثيرين، هو ماضيهم نفسه.
ألم تسمع بتعبيرات من قبيل (يعيش في ماضيه)، (لا يستطيع تجاوز ماضيه)، أليس كذلك؟
إنها عبارات مجازية؛ فاللغة كلها مجاز للعالم؛ فلا وجود للغة تساوي الواقع”
المقدمة:
تدور الرواية في القاهرة (وسط البلد على وجه الخصوص) جاليري شغل كايرو للدقة، نفس المكان، في أزمنة مختلفة، على ثلاثة محاور لثلاثة أبطال وهم “اوريجا” و “نود” و “بلياردو” والرابط بينهم هي صاحبة الجاليري.
يتبنى الجاليري المواهب الفنية، من رسم جرافيتي؛ للتصوير لصنع ماكيتات مصغرة وغيره، قصة تبدو عادية، أو مكررة، وهنا جاءت الخدعة.
اللغة:
يمكننا هنا الحديث عن اللغة كعنصر في الرواية، أو كشخصية حية فيها، تلعب دورها كباقي الشخصيات، تحزن معهم وتفرح، بل وتُجن مثلهم، ترسم العالم -حرفيًا- وتحاكي كل شخصية بروحها وتفكيرها، والطريقة التي تريد -الشخصية نفسها- كتابة قصتها بها.. كما لو أن كل هذا الجنون في الحبكة لا يكفي جائت اللغة أكثر جنونا، وادهاشًا.
الشخصيات:
اوريجا_ القاهرة ٢٠٤٥:
تبدأ الرواية من طفولته، حين قتل والده.. كيف؟ الصق سبابته بجبهة والده وقال “بووم”، فمات الأب..
هز الطفل الذي قضى حياته يتيمًا، تائهًا، أو هو التيه ذاته، لا يقوى على طرح الاسئلة، فقط يستمع ويتخبط، ملاذه الوحيد هو صناعة أجسام اصغر منه، يحس معها بأهميته؛ فيذهب للجاليري لصنع ماكيت للقاهرة عام ٢٠٢٠، عام مقتل والده.
نود_ القاهرة ٢٠٢٠:
فتاة لا تحب القوانين، تكسر حواجزها وتعلن عن تمردها، لغتها هي الكاميرا، ترى العالم من خلالها، ليس العالم الذي نراه فقط، لكنها ترى في كل مرآه رجلًا، منذ طفولتها كأنها طفلاً يكبر معها، دليلًا أن حياتها منذ الصغر؛ فهي تتمرد على أبسط قوانين الطبيعة بداهةً؛ كأنما خلقت لتصرخ، وتهرب وتذهب للجاليري للمشاركة في صنع فيلم عن القاهرة عام ٢٠١١ العام الذي قابلت فيه بلياردو.
بلياردو_ القاهرة ٢٠١١:
بعد أن فقد عينه في الثورة، بفعل قناصي العيون، وسط الدخان المسيل للدموع والرصاص، لم يعد ينظر لأعلى، كنا لو كان مجرد التطلع للأعلى، الحلم، أو الطموح، كفيلاً بجعله يحيا مشوهًا باقي العمر، هو فقط ينظر تحت قدميه؛ فيجد الأشياء الضائعة من أصحابها، أو من نفسه. ماشيًا وسط الدبابات يجد عينًا بشرية، ملقاه على الأرض، تنظر له “عين ضخمة” ؛ كأنما وقعت من عملاق بشري، لكنه يكتشف أنها عينه هو نفسه، فقط بمقاييس مختلفة.
يذهب للجاليري؛ لرسم جرافيت عنه، رسمه هو؛ بل سرقه من نفسه.
المسز:
هي صاحبة الجاليري، والمشرفة على كل مشاريعه، تلتقي بكل شخصية منهم؛ لتوجهه حسب قوانينها، وللمفارقة؛ فشكلها يتغير حسب تخيل، ونظرة كل منهم، رغم ذلك فكلهم يخشونها ويهابونها، كأنها المدينة، أو كأنها الحياة نفسها بعقدها، وغموضها، وعمقها.
منسي عجرم:
كتاب منسي عجرم هو الرابط بين كل الشخصيات، بين كل البشر، ليس مجرد كتاب فكل شخص يقرأه بنظرته، بالمعنى الحرفي، كل قارئ يقرأ حكايته في الكتاب، منذ ميلاده، حاضره، ومستقبله.. هل القدر كتاب لا يمكن تغيره؟ هل كل محاوله لتغير القدر هي في الأصل من صنع القدر نفسه؟! حتى “المسز” الحياة لم تستطع منع قدرها، لم تكن إلا سطرًا في كتاب منسي عجرم عديم الاسم.. منسي عجرم الذي لا ماضي له، هو الحاضر فقط، لا حكاية له، بل هو من يصنع حكايا الاخرين.. وهم -الاخرين- يحاولون إنكار وجوده
الزمن:
هل يعتبر الزمن من عناصر الرواية؟
حين ينقلب على نفسه، ويصبح الماضي والحاضر والمستقبل نقطةً واحدةً في بؤرة مركزة، كطوابق بناء تسقط على بعضها. حينها تكون الإجابة نعم.
الرواية -عكس باقي الحياة- كان المكان فيها هو الحقيقة والزمن هو الخيال.
وأخيرًا برأيي الرواية مبدعة، ساحرة، مجنونة لأبعد الحدود؛ فكما يقولون “كُتبت بريشة فنان” اقول بل أقل ما يفسرها أنها كتبت بين جدران مصحة.. وللمفارقة؛ فكل جنونها منطقي. مجددًا كالحياة نفسها.
المزيد
قصص وحكايات: “الهرم الأول في التاريخ”
قصص وحكايات “الكنز الذي بداخلك”
محمد خطاب يكتب … هُدم البيت .. وبقي الباب مفتوحاً