كتب: زياد مجدي سعيد
عادة ما يكون الإنغلاق صفة يتصف بها البعض بإرادته الكاملة، فالشخص يعرف ماذا يدور بالخارج، ولكنه لا يُفضِّل التَدخُّل فيه، ويحب أن يكون منغلقاً علي نفسه ولكن..
ماذا إن كانت هناك مجموعة من البشر تعيش في منطقة محددة، بل ويعتقدون أنهم يعيشون بمفردهم علي كوكب الأرض؟!
وبالمثل لم نكن نعلم نحن سكان كوكب الأرض عنهم شيئاً حتي وقت قريب!
أعلم أن الأمر يبدو غريباً بعض الشئ ولكنها قبيلة الكورواي..
فمَن هم؟ وأين يعيشون؟
هي مجموعة من البشر البدائيون للغاية، فيستخدمون في حياتهم اليومية الحجر والخشب والنار فقط، كما أنهم لا يرتدون الملابس إطلاقاً!، ويُقيمون في غابات تُسمي “بابو” بإندونيسيا..
أما عن بيوتهم، فهي غريبة أيضاً، حيث تقع جميع أكواخهم الخشبية أعلي الأشجار لإرتفاع يصل إلي ٤٥م من الأرض!، وجاء هذا الارتفاع الشديد لمنازلهم كشكل من أشكال الحماية والتحصين ضد الأعداء والفيضانات.
ما حكايتهم؟ وكيف تم إكتشافهم؟
تعتبر قبيلة الكورواي آخر قبائل العصر الحجري القديم المتبقية علي الأرض ويتألفون من ٣٠٠٠ فرد، ويعتقدون أنهم يعيشون بمفردهم علي الأرض، ويطلقون علي أي إنسان غريب أو أي كائن أخر من خارج حدود منازلهم وقبيلتهم “أشباح الشياطين”.
ظلّوا لمئات السنين يعيشون ولا يُعرف عنهم أي شئ، حتي جاء عام ١٩٧٤م، حيث كانت هناك مجموعة من العلماء في بعثة إستكشافية لغابات إندونيسيا، وإكتشف العلماء هؤلاء الناس بالصدفة، ومنذ ذلك اليوم، توالت الرحلات إلي هناك لإكتشاف المزيد والمزيد عن أفراد القبيلة.
بأي شئ يؤمنون؟ وما هي معتقداتهم؟
كما ذكرنا سابقاً، فقد كانوا يعتقدون أنه لا يوجد غير الكورواي في العالم أجمع، ولم يخرج أبداً أي منهم لإكتشاف العالم الخارجي، وظلوا طيلة عمرهم داخل الغابة منغلقين علي نفسهم، ويؤمنون بالسحر والأساطير القديمة، ولهم عادات وتقاليد مقدسة، وفي أوقات القحط يقومون بالتضحية بالخنازير حتي تستأنس بها أرواح أسلافهم.
أما الغريب في معتقداتهم هو أكلهم للحوم البشر!…فهل هذا صحيح أم لا؟! حتي وإن كان صحيحاً، فهل يفعلون ذلك كوسيلة للغذاء اليومي أم ماذا؟!
في الحقيقة، عُرفت قبيلة الكورواي أن أفرادها آكلين للحوم البشر عبر التاريخ، ومع مرور الوقت حُرِّفت تلك الحقيقة، وأصبح شائع عن الكورواي أنهم يأكلون لحوم البشر بشكلٍ يومي، وهو أبعد ما يكون عن الصواب، فقد أوضحت إحدي الصحف في وقتٍ سابقٍ أن أكل لحوم البشر بالنسبة لهم هو أمر مقدَّس، وشعيرة لها حرمتها لديهم وليس من أجل إرضاء رغبتهم في الجوع والغذاء، فهم يؤمنون بأن تلك الشعيرة تساعدهم علي طرد الأرواح الشريرة الموجودة بينهم، المتمثلة في السحرة الذكور الذين يُطلقون عليهم إسم “خاخوا”.
توالت الرحلات الإستكشافية كثيراً علي تلك القبيلة بعدما ظهرت إلي العالم، ولعلَّ أبرز الرحلات هي تلك التي قام بها المرشد السياحي “بول رافاييل” في عام ٢٠٠٦م إلي داخل الغابات التي يسكنها الكورواي، وقد ذكر في إحدي المقابلات معه أن الدخول إلي غابات الكورواي أشبه بالدخول في كهفٍ مائي عملاق، حيث الرطوبة قاتلة، والعناكب عملاقة، وأرض موحلة انزلق قيها عدة مرات وكاد أن يسقط، وتُكسر قدماه، ولكنه رغم ذلك واصل الرحلة لمقابلة أحد أبناء القبيلة..
فمَن هذا الذي سيقابله؟ ولماذا هذا بالتحديد؟
بواس، أحد أبناء قبيلة الكورواي، ذلك الشاب الذي قرر ألا يسلك طريق أجداده، ويلتزم بحدود الغابة..فقرر أن يغادر ليكتشف العالم ويكسر حاجز الإنغلاق، مما جعله مختلف عن سائر أبناء القبيلة، وهو ما جعل رافاييل يقابله، وقد ذكر رافاييل أن بواس استقبله وشاركه رحلته من أجل العودة إلي الديار مرة أخري..
ذكر أيضاً رافاييل أن بواس أخبره أن والده قد أحرق بيتهم عدة مرات غضباً علي رحيل ولده لإستكشاف العالم وكسر تقاليد القبيلة التي حافظوا عليها لقرونٍ عديدةٍ.
قبيلة الكورواي التي ظهرت للعالم في العصر الحديث، ولكن هل تكون الأخيرة؟ أم سنكون في إنتظار ظهور قبائل غيرها من ذلك النوع مرة أخري؟!
المزيد
قصص وحكايات: “الهرم الأول في التاريخ”
قصص وحكايات “الكنز الذي بداخلك”
محمد خطاب يكتب … هُدم البيت .. وبقي الباب مفتوحاً