مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

عاشق قهر النساء بقلم صباح عبدالله فتحي 

عاشق قهر النساء بقلم صباح عبدالله فتحي

الجزء 2

 

انتهى يومٌ شاق في العمل مثل كل يوم، وعادت شوق متعبة مُرهقة إلى ذلك المنزل الصغير، حيث تستأجر إحدى الغرف من صاحبة المنزل، وهي سيدة عدوانية لا تهتم إلا بمن يجلب لها المال. وما إن دلفت شوق إلى الداخل حتى تفاجأت بملابسها وأغراضها مُلقاة على الأرض. نظرت بعيونٍ زائغة تملؤها الدموع إلى تلك السيدة الجالسة تتناول التفاح ببرود، رغم أنها في الأربعين من عمرها، إلا أن ملامحها كانت حادة، والتجاعيد تُحيط بعينيها.التفتت شوق إلى أغراضها وهي تقول بغضبٍ مكتوم:

 

_مين سمحلك تدخلي أوضتي في غيابي وترمي حاجاتي بالشكل ده؟

 

تركت السيدة ما في يديها بحركة غاضبة ونهضت وهي تقول بصوتٍ عالٍ:

 

_انتي ليكي عين تسألي؟! داخلة علي الشهرين وما دفعتيش ولا سِاخ لحد دلوقتي!

 

انهمرت دموع شوق التي كانت تحاول منعها، وردّت بصوتٍ باكٍ متعب:

 

_انا عارفة إني اتأخرت في الدفع، بس انتي عارفة إني بدفع مصاريف علاج لين، غير إن المرتب قليل جدًا. والله هدفعلك الشهر ده تلات شهور مع بعض، بس اصبري عليا، هشوف شغل تاني وهديكي اللي انتي عاوزاه.

 

تنهدت السيدة بحنق ثم قالت ببرود:

_خلاص، جه مستأجر جديد ودفع ليا ست شهور مقدم.

 

صمتت للحظة، ثم رمقتها بخبث وقالت:

_بس طالما انتي هتشوفي شغل جديد وهتدفعي تلات شهور مع بعض، هدّيك الأوضة اللي على السطوح تقعدي فيها وخلاص.

 

نظرت إليها شوق بدهشة وهي تجيب:

_بس انتي حاطة فيها الفراخ بتوعك! هقعد فيها إزاي؟

 

لوت شفتيها بلا مبالاة وجلست لتكمل تناول التفاح وقالت ببرود:

_وماله يعني؟ فيها فراخ وحشه واهو بالمرة هتونسك، ولو مش عاجبك، الباب قدامك، يفوت جمل، محدش جبرك تقعدي!

 

نظرت في اتجاه الباب، وقفت صامتة تفكر فيما ستفعله، وكيف ستغادر وليس لها مكان آخر تذهب إليه. شعرت بالعجز يتسلل إلى قلبها، فلم يكن أمامها خيار سوى أن ترضخ للأمر الواقع.. تنهدت بحزنٍ شديد وجلست تجمع أغراضها ودموعها تنهمر بحسرة. وقعت يدها على صورةٍ قديمة تجمعها بأختيها التوأم الأكبر منها سنًا، ظهر الثلاثة في الصورة كالملكات، السعادة تغمر ملامحهم، ورفاهية الحياة واضحة في تفاصيل المنزل الذي كان خلفية للصورة. وضعت يدها على وجه شقيقتها وهمست بحسرة ودموعها تتساقط على خديها:

 

_انتي فين يا نيلي؟ ارجعي بالله عليكي… أنا محتاجاكي أوي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 

بينما كانت شوق تعاني من قسوة الحياة بمفردها، كانت نيلي تستلقي داخل إحدى أحدث السيارات الفارهة، بجانب ذلك المتعجرف الذي فاز بها وكأنها دمية يتاجرون بها ويحركونها كيف يشاؤون. جلست عابسة الوجه، تتجاهل النظر إلى الجالس بجانبها، بينما كان هو يبتسم بثقة، وفي يده كأس من أجود أنواع الخمر. ظل يراقبها بنظرات تحمل مزيجًا من الغضب والرغبة، يفكر في الطريقة التي سيستمتع فيها بتعذيبها كما عذبته هي طوال الفترة الماضية. فعلى الرغم من نفوذه وسلطته، كانت هي المرأة الوحيدة التي كسرت غروره، وسلبت كبرياءه بقوة شخصيتها وجمالها الفاتن. لكن لا يعلم أن خلف ذلك الجمال بركانًا مشتعلًا، قادرًا على إحراق أسوار قلبه وأسره إلى الأبد.

 

وضع الكأس من يده، ثم أخذ يرفع أكمام قميصه ببطء، ليلفت انتباهها إلى ذلك الوشم المنقوش على معصمه كان عبارة عن رسمة (الجوكر) رمز تلك العائلة التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. فكل فرد من عائلة الجوكر يحمل هذا الوشم بفخر، حتي الخدم المقربين منهم. تغلغلت الدموع في عينيها وهي تتذكر ذلك اليوم المشؤوم الذي انقلبت فيه حياتها رأسًا على عقب…

 

(عودة إلى ما قبل خمسة أشهر)

 

كانت نيلي تسير برفقة شقيقتها الصغرى شوق في أحد شوارع المدينة، بدت على ملامحهما العبوسة والخوف والقلق، وكلتاهما تتحركان ببطء شديد، شاردتًا الذهن تفكران في شقيقتيهما المفقودة منذ أكثر من ثلاثة أيام. خيّم الصمت طويلًا، كسرت شوق حاجزه وهي تقول بنبرة شاردة:

 

_وبعدين يا نيلي، هنعمل إيه بقى؟ لنا تلات أيام بندور على لين وما لهاش أثر.

 

كانت نيلي شاردة في تفكيرها ولم تسمع حتى ما قالته شوق. توقفت شوق ونظرت إليها، وضعت كفيها على كتف نيلي وقالت بصوت مهتز:

 

_نيلي حبيبتي، أنا بكلمك، أنتِ سامعاني؟

 

انتبَهَت نيلي لها، رفعت يديها وحكت جبينها وهي تقول:

 

_معليش يا شوق، كنت سِرحانة شويّة، قولي تاني، معلش.

 

تنهدت شوق بحزن ثم قالت:

_كنت بقولك، وبعدين هنعمل إيه في اللي إحنا فيه ده لين مالهاش أثر لحد دلوقتي.

 

شاردت نيلي في وجهتها وهي تقول:

_أنا متأكدة إن بابا يعرف فين لين يا شوق، بس اللي أنا مستغربة منه ليه ساكت لحد دلوقتي؟

 

اتسعت عينا شوق في دهشة وهي تقول:

_إنتِ بتقولي إيه يا نيلي؟ مش معقول بابا يكون عارف حاجة عن لين ويفضل ساكت كده!

 

أمسكت نيلي بيد شوق بقوة وهي تقول بإصرار:

_أنا متأكدة إن بابا يعرف كل حاجة، تعالي لازم أفهم منه إيه اللي بيحصل حوالينا وليه ساكت لحد دلوقتي؟

 

سحبتها بقوة ومضت بهما، ولم تترك لها فرصُه اللاعتراض، وبعد وقت وصلا إلى منزلهما الذي كان عبارة عن فيلا فاخرة من طابقين. قبل أن يدخلا، قبلهم مجموعة من الرجال يغادرون المنزل الجميع يرتدون بذلات سوداء، يتوسطهم شاب في الثلاثين، فارع الطول، مفتول العضلات، يرتدي بنطالاً وقميصًا أبيض من الحرير. لم تستطع أيٌّ من الفتاتين رؤية ذلك الشخص بوضوح بسبب كثرة الرجال المحيطين به، لكن قبل أن تصل سيارتهن، لاحظت نيلي وشم الـ«جوكر» على معصمه. فجأة، لفت انتباه الجميع صوت إطلاق رصاصٍ من داخل المنزل؛ صرخ الاثنتان بخوف وهرولا للدخول:

 

_بااااابااا!

 

(الحاضر)

 

استفاقت نيلي من شرودها على صوت محرك السيارة يتوقّف. رأت ذلك المتعجرف يمد لها يده بابتسامةٍ جذابة تزين خده وهو يقول:

 

_أهلاً بملكة جمال العالم في بيتي المتواضع.

 

تجاهلته ولم تمد يدها، ففتحت باب السيارة وغادرت. عندما رأت أين هي، اتسعت عيناها في دهشةً ودموعها انهمرت في صمتٍ؛ شاردت في تفاصيل منزلها التي تربّت فيها وقضت أجمل أيامها بصحبة أبيها وأمها وأخواتها. رفعت يدها لتمسح دموعها بأطراف أناملها وهي تتمتم:

 

_سامحني يا بابا، أنتِ وماما، بس أنا مجبورة على كده، لازم أعرف كل حاجة وأنتقم من اللي حرموني منكم. لازم حق لين يرجع لها. عارفة إني خنت الأمانة وتخلّيت عن شوق ولين، بس ده لمصلحتهم، هم نقطة ضعفي دلوقتي وما كنتش أقدر أخاطر بيهم.

 

نظرت في اتجاه نيل بكرهٍ وحقدٍ شديدٍ وهي تكمل بلهجةٍ باردة:

 

_أنا لازم أعرف مين هو عشق… متأكدة إن الغبي ده هو اللي هيقدر يوصلني له.

 

استوووب!

 

يا تاري— مين هو عشق؟ واي علاقته بنيلي؟ واي سبب قتل أهلهم لأجله؟ وأين لين الآن؟ كل ده وأكثر هنعرفه مع بعض في الحلقة الجاية… ما تنسوش تفرحوني بالايكي وعشر تعليقات لو عجبتكم البداية علشان أتشجع وكمل الرواية وأنزل كل يوم… والرواية حصرية على… #الصحفةالبديلةللكاتبةصباحعبدالله_فتحي

السيناريست #صباحعبداللهفتحي