أصعب الجراح تلك التي لا يراها أحد، تلك التي لا تنزف دمًا كي يواسيك الناس عليها، بل تنزف روحًا في صمتٍ لا يُسمع. لقد جرحوني بكلماتهم، فكانت الطعنة بلا دماء، لكنها خلّفت في داخلي نزيفًا لا يهدأ. ظنّوا أن الكلمة مجرّد هواء يتناثر في الفضاء، وما علموا أنها قد تستقر في القلب كسهمٍ مسموم، لا يُنتزع بسهولة ولا يزول أثره بمرور الزمن.
حين قالوا ما قالوا، شعرت أن الأرض قد ضاقت بي، وأن أنفاسي تتكسّر بين أضلعي. كل كلمة كانت كحجرٍ يُلقى في بحيرة صافية، فيُعكّر صفوها ويترك دوائر لا تنتهي. لم يتركوا في قلبي سوى صدى مؤلم يتردّد كلّما أغمضت عيني، وكلّما حاولت أن أستعيد سلامي الداخلي.
ومع ذلك، اكتشفت أنني أقوى مما تصوّرت. الكلمة التي أرادت أن تهدمني جعلتني أنهض من جديد، أنفض عني غبار الانكسار وأبني من جرحي سلّمًا أصعد به. تعلّمت أن الصمت أحيانًا أبلغ من الرد، وأن مواجهة القسوة بالثبات أوجع من ألف كلمة.
لقد أيقنت أن الطعنة بلا دماء قد تُربّينا على الصبر، وتُعلّمنا أن أرواحنا أثمن من أن نتركها رهينة لألسنةٍ عابثة. واليوم، حين أنظر في المرآة، لا أرى وجهًا مكسورًا، بل روحًا صقلها الألم حتى صارت أصلب من الحديد، وأجمل من أي انتصار.
فالطعنة بلا دماء لم تقتلني… بل ولدتُ منها أقوى.






المزيد
شيء يُضاهي التلاقي، ولا شيء يُشبه نظرة الإنسان إلى الإنسان بقلم إيثار الباجوري
الحروب دمار القلوب بقلم مريم الرفاعي
لا يستحق أحد التضحية بقلم سها مراد