سكينةٌ بعد العاصفة بقلم هاني الميهي
ليس الوجعُ خصمًا لنا كما نظن،
بل هو معلمٌ صامتٌ يأتينا بملامح الألم،
ويُخفي في طيّاته دروسًا لا تُكتَب إلا بالحبر الذي يجري من القلب.
إنّ الله لا يُرسل الوجع عبثًا،
ولا يضعنا في ظلمةٍ إلا وفيها بصيصٌ يُرادُ له أن يُضيءَ من الداخل.
أيّها القلبُ الذي قامت قيامته والناس أحياء،
هوِّن عليك، فليس ما تشعر به نهايةَ الوجود،
بل بدايتُك الحقيقية نحو وعيٍ لم تعرفه بعد.
كم من جرحٍ حسبناه فناءً، فإذا به ميلادٌ جديد.
وكم من سقوطٍ كان في ظاهره هزيمةً،
فأصبح فيما بعد عتبةَ صعودٍ نحو صفاءٍ لا يُشبه إلا رضا الله.
يا قلبًا أنهكه الحنين، وابتلّ ليلهُ من صمتٍ لا يُطاق،
اعلم أن الله لا يبتليك ليُنهِكك، بل ليُهذّب فيك الرجاء.
هو يجرّعك مرارة الغياب ليُريك حلاوة الحضور،
ويكسر عنك التعلّق بما يفنى، لتتعلّق بما لا يزول.
فالوجعُ يا صاحبي ليس سوى رسالةٍ من السماء تقول:
“قُم، فقد آن لك أن ترى بعينك لا بعين الخوف.”
ما أجمل القلوب التي تتكسّر ثم تعود لتُضيء!
تُطفئها العتمة، فتتعلم أن النور ليس خارجها، بل يسكنها.
تتوه بين الضجيج، فتكتشف أنّ الصمت وطنٌ،
وأنّ السكون الذي ظنّته نهاية، إنما هو بابٌ إلى بداياتٍ أنقى.
في لحظة الانكسار، حين لا تجد يدًا تمتد إليك،
يُرسل الله إليك طمأنينةً لا تُرى،
تُعيد ترتيب أنفاسك، وتُسكِت خوفك،
وتهمس في قلبك: “أنا هنا، لا تَخف.”
حينها فقط تدرك أن الجبر الإلهي لا يُعلن عن نفسه في ضجيج،
بل يأتي في هيئةِ سكونٍ يُعيدك إلى ذاتك دون أن تدري.
قد تمرّ الليالي طويلةً،
وقد ينام العالم من حولك وأنت وحدك تصحو على صدًى من الذاكرة،
لكن الله لا يتركك لحزنك طويلًا؛
إنّه يُمهلك ليُريك أنك ما كنت مكسورًا، بل كنت تُعاد صياغتك من جديد.
لا تخشَ كثرة الدموع،
فكلّ دمعةٍ تذرفها تُطهّرك من شوائب نفسك،
وتُهيّئك لأن تحمل في الغدّ روحًا أكثر نقاءً.
والذين جبرهم الله بعد كسرٍ،
صاروا لا يخافون من العواصف بعد ذلك،
لأنهم عرفوا أن العاصفة لا تُميت،
بل تُنقّي.
يا قلبًا، إنّ الله يجبر ما تكسّر منك برحمةٍ تفوق الخيال،
ويُبدع من شتاتك لوحةً لا يراها إلا من نظر بعين الإيمان.
فلا تبتئس إن ضاقت بك السُبل،
ففي الضيق تُولد المعجزة،
وفي العتمة تُكتَب البدايات الجميلة التي لم تكن لتُرى في الضوء.
اعلم أنّك إن قمت من الألم أكثر وعيًا،
فقد جبرك الله دون أن تنطق.
وإن ابتسمت بعد انكسار،
فقد أذنَ لك بالحياة من جديد.
وما قامت قيامتك إلا ليُقيمك الله على وعيٍ جديد،
يُريك أن النجاة ليست في الفرار من الألم،
بل في مصافحته حتى يهدأ،
ثم في شكر الله الذي جعل منك قلبًا ما زال يشعر… رغم كل شيء.
فكن مطمئنًا،
فالله لا يُبقي القلب مكسورًا،
بل يُبقيه في طور التجلّي، حتى يُشرق من رماده نور.
#هاني_الميهي






المزيد
شيء يُضاهي التلاقي، ولا شيء يُشبه نظرة الإنسان إلى الإنسان بقلم إيثار الباجوري
الحروب دمار القلوب بقلم مريم الرفاعي
لا يستحق أحد التضحية بقلم سها مراد