مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

سكون الدعاء – الكاتب أمجد حسن الحاج

سكون الدعاء
✍️ بقلم د. أمجد حسن الحاج

في صحراءٍ تبتلع الأصوات، ويغيب فيها صدى الخطى، وقف القلب قبل الجسد يبحث عن أنفاسٍ من نور، وعن يقينٍ يروي عطش الروح. هناك، حيث الرمال تمتدّ كصفحاتٍ بيضاء تنتظر أول حرفٍ من توبةٍ خجلى، جلس العبدُ متجردًا من كل شيءٍ إلا من ضعفه بين يدي خالقه. ألقى الدنيا خلف ظهره، ورفع كفيه نحو السماء، كمن يسلم نفسه لقدرٍ كريمٍ لا يخذل المتوكلين عليه.

كانت الشمس تميل نحو المغيب، تغسل الأفق بلونٍ ذهبيٍّ يمزج بين وداعٍ وابتداء، وكأنها تُحدّث الساجدَ عن فجرٍ قادمٍ لا يراه إلا المؤمنون. في تلك اللحظة، انكشفت له أسرار الصمت، وفهم أن الدعاء ليس كلماتٍ تُقال، بل انحناءةُ قلبٍ يعرف من أين يُستمدّ الضوء.

كل ذرة رملٍ حوله كانت تسبّح، وكل نسمةٍ تمرّ بين طيات الثوب تحمل معه رجاءً خفيًا. لم يعد. يخاف من الغربة، ولا من العطش، ولا من وحدة المسير، فقد امتلأت روحه بنهرٍ من الطمأنينة، يسري في عروقه بسلامٍ لا يُوصَف.

في سجدةٍ امتدت بعمق الأبد، نسي الزمن، وغابت الحدود بين الأرض والسماء، كأن الكون كله انحنى معه في خشوعٍ صادق. أحسّ بأن الدموع التي سقطت على الرمل لم تضِع، بل شقّت طريقها نحو رحمةٍ لا تُردّ، وأن الشروق القادم سيولد من بين يديه، يحمل له بشارةَ استجابةٍ كتبتها الملائكةُ في لوحٍ من نور.

حين نهض، لم يكن كما كان، فقد تبدّلت صحراؤه إلى جنةٍ من يقين، وصار الأفقُ كتابًا مفتوحًا من الأمل. ومضى بخطىً مطمئنةٍ كمن وُلد من جديد، يزرع في كل طريقٍ يمرّ به نغمةَ رضا، ويترك خلفه ظلًّا من نورٍ لا يغيب.

فمن ذاق لذّة الدعاء، علم أن السجود ليس انحناءً للأرض، بل ارتفاعٌ نحو السماء