الكاتبة إيمان يوسف احمد
نعيش اليوم في زمنٍ غريب، تتشابه فيه الوجوه وتختلف القلوب، وتُقاس فيه القيمة بالمظاهر لا بالمبادئ. أصبح العالم مسرحًا كبيرًا، والناس ممثلين بارعين، يبدّلون الأقنعة كما يبدّلون مزاجهم، يبتسمون في وجهك ويخفون في داخلهم ما لا يُقال.
في هذا العصر، لم تعد العلاقات تُبنى على الصدق، بل على المنفعة والمظاهر الزائفة. أصبح “كيف نبدو” أهم من “من نكون”، وصار الإنسان يسعى ليُعجب الآخرين أكثر مما يسعى ليُرضي ضميره.
وسائل التواصل الاجتماعي زادت النار اشتعالًا، فهي المرآة التي نعرض فيها أفضل نسخنا المزيفة، نضحك رغم الحزن، ونتفاخر بما لا نملك، ونقيس سعادتنا بعدد الإعجابات لا براحة القلب. تحوّل التواصل الحقيقي إلى رموز وإيموجي، وتحوّل القلب إلى شاشة باردة لا تشعر ولا تحنّ.
الوجوه المزيفة ليست فقط على الإنترنت، بل في كل زاوية من حياتنا: في الصداقة، في العمل، وحتى في الحب. صرنا نخاف من الصراحة، ونخشى أن نُظهر ضعفنا لأننا في زمنٍ يقدّس الواجهة اللامعة، ويحتقر البساطة والصدق.
لكن الحقيقة لا تموت، وإن اختبأت خلف أقنعة كثيرة. سيأتي يوم تتساقط فيه الوجوه المزيفة، وتبقى فقط الوجوه الصادقة التي لم تغيّرها الظروف ولا الازدحام ولا الأضواء.
الزمن لا يُكرّم الممثلين، بل يحتفظ في ذاكرته بمن عاش على طبيعته. فلتكن نفسك، ولا تسمح لعصر الأقنعة أن يجعلك نسخة من أحد. في النهاية، لا يصمد إلا القلب النقي، ولا يُحترم إلا من عاش بوجهٍ واحد لا يعرف الزيف.






المزيد
القتل الرحيم: بين العدالة والأخلاق
اعرف صاحبك وعلِّم عليه
أنت المسؤول عن قراراتك