مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

رقبة منحنية…وروح منطفئة – الكاتب أمجد حسن الحاج

رقبة منحنية… وروح منطفئة
بقلم د. أمجد حسن الحاج

لم تكن الصورة مجرّد أشعةٍ لعظام،
بل مرآة لواقعٍ نعيشه بصمتٍ مُميت،
صرخةٌ في وجه جيلٍ اختار الانحناء…
لا احترامًا،
بل عبوديةً لشاشةٍ تُضيء وجهه… وتُطفئ قلبه.

ذلك الهيكل العظمي المنحني،
لم تُثقل كاهله السنوات،
بل أثقلته ساعات التحديق المتواصلة،
كأنه يسجد لجمادٍ باردٍ
لا يُنطق حكمة، ولا يمنح حياة،
بل يُغرقه في سُباتٍ رقميٍ لا صحوة منه.

أي مأساة نعيشها،
حين يصبح الهاتفُ امتدادًا لأيدينا،
نأكل ونحن نُحدّق،
ننام وهو في أحضاننا،
نستيقظ على صوته لا على صوت أحبّتنا،
نضحك من رموز صفراء،
لكننا نبكي في صمت… لا يراه أحد.

ذاك العمود الفقري المنحني،
لم ينكسر من ثقل الكتب،
ولا من تعب العمل الشريف،
بل من فراغ المحتوى،
من فيديوهات لا تسمن عقلًا،
ومن محادثاتٍ تستهلك القلب
دون أن تمنحه دفئًا حقيقيًا.

صرنا نظن أننا متّصلون…
لكننا أبعد من أي وقتٍ مضى،
نعيش وهم المشاركة،
وفي الواقع نُفني أعمارنا في عزلةٍ مغلّفة بالضجيج.

أين الحديث الذي كان يُرمم التعب؟
أين الأعين التي كانت تلتقي قبل القلوب؟
أين الجلسات التي تنتهي بضحكة لا تُرسل كملف؟
أين المشي الطويل بلا توثيق؟
أين الحب الذي لا يحتاج إنترنت ليتنفّس؟

انظر إلى هذه الصورة جيدًا،
سترى جيلًا يسير نحو الفناء،
وهو يظن أنه يواكب العصر،
لكنه في الحقيقة… يدفن نفسه،
فقرةً… فقرة.

فيا من تقرأ،
ارفع رأسك،

حرّر رقبتك من القيد الرقمي،
واستنشق الواقع قبل أن تُمحى ملامحك
من ذاكرتك أنت،
لا من ذاكرة الآخرين فقط.

عد إلى نفسك قبل أن تُصبح صورةً أخرى…
في أرشيف الموت البطيء.