مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

دورة الوجوه بين البدء والنهاية بقلم أمجد حسن الحاج

دورة الوجوه بين البدء والنهاية بقلم أمجد حسن الحاج

 

في ملامح وجهٍ واحدٍ تتجاور البدايات والنهايات، كأن الزمن قد اختار أن يكتب قصيدته على صفحةٍ من لحمٍ وبصرٍ وأنفاس. نصفٌ يحمل نقاء الطفولة، يفيضُ عذوبةً ودهشةً، كأنه الندى حين يولد على بتلة الصباح، والنصف الآخر يكتسي بتجاعيد الحكمة، يروي قصة عمرٍ أنهكه الانتظار، وعلّمه أن لكل ضوءٍ ظلاً، ولكل ميلادٍ وداعاً.

 

تلتقي في هذه الملامح رحلة الإنسان من أول صرخةٍ إلى آخر تنهيدة، من عينٍ زرقاء تستقبل العالم بسؤالٍ لم يُجب بعد، إلى عينٍ باهتةٍ شهدت أجوبةً كثيرة، لكنها أدركت أن الحقيقة لا تُقال، بل تُعاش. بين الطفولة والشيخوخة جسرٌ من الأيام، تمشي عليه الأرواح حفاة، تبحث عن لحظةٍ تشبهها، عن معنى لا يفنى في زحام الوقت.

 

ذلك الشقّ الفاصل بين الوجهين ليس جرحاً، بل هو خطّ التوقيع الذي يتركه العمر على وجوهنا، شهادة مرورٍ بين الحلم والذكرى، بين من كنا ومن أصبحنا. فالصغير لا يدرك أنه يسير نحو التجاعيد، والكبير لا ينسى أنه كان يوماً بريئاً يركض خلف الفراشات. وفي كلٍ منهما الآخر، فالعجوز يحمل داخله طفلاً خجولاً لا يزال يبتسم حين يتذكر رائحة المطر، والطفل يخفي في عينيه ملامح الشيخ الذي سيغدو يوماً ما ظلّه.

 

ما أعمق هذه المفارقة حين ترى وجه الزمن ينقسم إلى نصفين، أحدهما يحلم، والآخر يتذكّر. أحدهما يبني الغد، والآخر يحنّ إلى الأمس. كأن الحياة مرآةٌ متكسّرة، كل قطعةٍ منها تعكس مرحلةً منّا، لكننا لا نكتمل إلا حين نجمع الشظايا، ونفهم أن الجمال لا يقاس بنعومة الجلد ولا ببهاء العيون، بل بصدق التجربة ودفء العطاء.

 

يا من تقرأ هذه الملامح، لا تخف من مرور السنين، فالشيخوخة ليست انطفاءً بل اكتمال، وليست النهاية بل عودةٌ إلى أصل النور. فالعمر دائرة، والروح لا تشيخ، بل تتبدّل ملامحها لتتعلم كيف ترى ما وراء الجسد. إن الطفل والشيخ ليسا ضدّين، بل نبضٌ واحدٌ يكتب في اتجاهين: الأول نحو البداية، والآخر نحو الأبد.

 

وهكذا، يبقى وجه الإنسان لوحةً إلهيةً عجيبة، نصفها وعد، ونصفها وداع، وفي المنتصف سرٌّ لا يفنى… سرّ الحياة نفسها.