مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

حين يقال إن الحروف تموت بقلم هاني الميهى

حين يُقال إن الحروف تموت بقلم هاني الميهي

 

أدرك ما تعنين حين تقولين إن الحروف قد تتحول إلى عبء، وإن الصمت أرحم من مواجهة ورقٍ يردّد وجعكِ في كل سطر. لكن، صدّقيني… الحروف لا تموت. هي فقط تختبئ أحيانًا في زوايا القلب، تصمت مثل طفلٍ عنيد يخبّئ صرخته، ثم تعود فجأة لتملأكِ من جديد، كأنها لم تغب لحظة واحدة.

الحروف ليست خيانة، ولا فخًّا، ولا سيفًا، بل هي وجهك الآخر الذي ترفضين رؤيته حين يرهقكِ الألم. صحيح أنّها تكشف الوجع بوضوح قد يبدو جارحًا، لكن أليس الكشف بداية الشفاء؟ أما الصمت، فهو يشبه قنّينة تُحكم إغلاقها، فتزداد الغازات بداخلها حتى تنفجر في لحظة غير محسوبة. الصمت راحة وقتية، أما الحروف فهي الصراع الذي ينقذكِ في النهاية.

تقولين إن بعض النصوص تموت برحيل أصحابها، وإن بعض الحروف تُدفن بانتهاء أسبابها… ربما. لكن هناك نصوص تتخطى أصحابها، وتكبر لتصبح ملكًا للذاكرة، ملكًا للقارئ، ملكًا للعالم. أتعرفين لماذا؟ لأنها خرجت من قلبٍ صادق، ولأنها لامست وجعًا يشبه وجع الآخرين. ما يُكتب بدمعٍ لا يُمحى بسهولة.

وأنتِ، حتى لو أعلنتِ وداع الحروف، ستكتشفين يومًا أنّك تعودين إليها دون وعي، كأن القلم يسحب يدكِ إليه، وكأن الروح لا تجد ملجأً إلا في النصوص. فالحروف عنيدة مثلكِ، ولا تترككِ مهما حاولتِ أن تهجريها.

الحروف ليست قبرًا… بل بابًا آخر. وحين يغلق باب الحياة أو الأمل أو الأشخاص، تظلّ هي الباب المفتوح الوحيد. وربما لهذا السبب أقول لكِ: لا تودّعيها، لأنّها الوحيدة التي لم تخذلكِ حقًّا، حتى حين جعلتكِ تبكين.

الحروف لا تموت يا صديقة، نحن فقط من نُغلق آذاننا عنها.

الحروف مثلك عنيدة.