مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

تحكمات الشريك… حب أم سيطرة؟

الكاتبة / إيمان يوسف أحمد

 

في كثير من العلاقات، يتسلل التحكم من باب الحب، فيبدو في البداية كاهتمام مبالغ فيه، ثم يتحول تدريجياً إلى قيود تكتم الأنفاس. قد يقول الشريك: “لا تلبسي هذا”، أو “لا تكلمي ذاك”، وتُفسَّر هذه العبارات على أنها غيرة طبيعية، لكنها في العمق إشارات أولى لسيطرة غير صحية.

 

الحب الحقيقي لا يفرض نفسه بالقوة، بل يزهر في بيئة يسودها الاحترام والثقة. فعندما يحاول طرف أن يغيّر هوية الآخر أو يضع له قيوداً في اختياراته، فهو في الحقيقة لا يحبّه كما هو، بل يسعى إلى تشكيل نسخة تناسب رغباته وتوقعاته. وهذا لا يُنتج علاقة متوازنة، بل علاقة قائمة على الخوف والقلق من فقدان السيطرة.

 

الشريك المتحكم يعيش في قلق دائم، يظن أن إحكام قبضته سيحمي العلاقة من الانهيار، بينما الواقع أن هذه القيود تخلق فجوة عاطفية عميقة. الشخص الخاضع لهذه التحكمات يشعر تدريجياً بأنه يفقد ذاته، وصوته، وحقه في الاختيار. ومع مرور الوقت يتحول الحب إلى عبء، والاهتمام إلى مراقبة، والغيرة إلى سجن يحدّ من حرية الفرد ويكبّل طاقاته.

 

ولعلّ أخطر ما في الأمر أن هذا النمط من العلاقات يطفئ الروح ويزرع بداخله شعوراً بالوحدة رغم وجود الشريك. فالحب الذي يقوم على السيطرة لا يترك مجالاً للنمو أو للتطور الشخصي، بل يجعل الطرف الآخر يعيش كظلّ لا يملك من أمره شيئاً.

 

العلاقات الناجحة تقوم على معادلة بسيطة: مساحة من الحرية يقابلها قدر من المسؤولية. فمن حق كل فرد أن يحتفظ بجزء من حياته الخاصة، بأحلامه وأصدقائه واهتماماته، دون أن يُحاسب عليها. والشريك الناضج هو من يدرك أن الحب لا يعني الامتلاك، بل المشاركة والدعم والمساندة في مواجهة تحديات الحياة.

 

لذلك، على كل شخص أن يضع حدوده منذ البداية، وأن يوضح بجرأة أن العلاقة تقوم على التفاهم لا الأوامر، وعلى الاحترام لا الإلغاء. الحب الناضج يمنح الحرية، بينما التحكم يقتلها. وبين الاثنين يختار الإنسان الطريق الذي يُنبت بداخله الطمأنينة والرضا، لا الطريق الذي يسرق منه نفسه ويتركه غريباً عن ذاته.