الهارب والمطارد – فلسفة التعلّق والانسحاب بقلم الكاتب هانى الميهى
الفصل الحادي عشر: ما بعد الهروب – لحظة المواجهة مع الذات
🔹 الجزء الثاني
هناك دائمًا لحظة صادقة لا تشبه سواها،
حين تنطفئ الأصوات من حولك، وتجد نفسك عاريًا من كل الأعذار التي كنت ترتديها لتبدو قويًّا.
تلك اللحظة لا تحتاج إلى جمهور، ولا إلى خصمٍ تواجهه،
بل تحتاج إلى شجاعة نادرة…
شجاعة الاعتراف أمام ذاتك، لا أمام الآخرين.
لقد كنت تظنّ أنك تهرب من شخصٍ أنهكك،
لكنك في الحقيقة تهرب من صورتك حين كنت ضعيفًا أمامه.
كنت تهرب من النسخة التي لم تعرف كيف تحمي نفسها،
ومن الكلمات التي قلتها حين كنت تظن أنك تفهم،
بينما كنت في الحقيقة تتخبط كطفلٍ في ليلٍ طويل.
المطارد حين يتوقف عن الجري لا يصبح منتصرًا ولا مهزومًا،
بل يصبح إنسانًا يرى أخيرًا ما لم يكن قادرًا على رؤيته.
يكتشف أن كل السعي لم يكن نحو الآخر،
بل نحو معنى يفتقده في ذاته.
أما الهارب، حين يهدأ،
يجد أنه لم يهرب من الحب، بل من احتماله.
لم يهرب من الارتباط، بل من خوفه أن يكون مكشوفًا،
أن يُرى كما هو… بلا أقنعة، بلا بطولة، بلا مبررات.
الناس يهربون من الحب،
لأن الحب لا يقبل التنكر.
يضعك أمام حقيقتك عاريًا من الزيف،
ويطلب منك أن تكون صادقًا حتى العظم.
وهذا ما لا يحتمله كثيرون.
فالمواجهة مع الذات تبدأ حين تسقط المرايا الزائفة:
مرايا الصورة التي أردت أن يراك بها الآخرون،
مرايا الأدوار التي لبستها لتبدو في موضع السيطرة.
حينها، تواجه الحقيقة الأكثر إيلامًا:
أنك لم تكن الضحية ولا الجاني…
كنت فقط إنسانًا يحاول أن يفهم نفسه وسط معركة لم يخترها.
الهروب من الذات يشبه الجري في دائرة مغلقة،
كلما ظننت أنك ابتعدت، وجدت نفسك في نقطة البداية.
#الهاربوالمطاردفلسفةالتعلقوالانسحاب
#هانى_الميهى






المزيد
شيء يُضاهي التلاقي، ولا شيء يُشبه نظرة الإنسان إلى الإنسان بقلم إيثار الباجوري
الحروب دمار القلوب بقلم مريم الرفاعي
لا يستحق أحد التضحية بقلم سها مراد