مجلة ايفرست الادبيةpng
...

مجلة ايفرست

مجلة ايفرست الأدبية

الروائي المصري محمد مصطفى سلامة في حوار خاص لمجلة إيفرست الأدبية

 



حوار: سارة عصر

 

قصة من ألطف القصص التي ستمر عليك، والتي ستضيف لحياتك جزءًا كبيرًا من الشغف والعزيمة والأصرار على فعل الأشياء التي تحبها، قاص وروائي مصري ابن محافظة البحيرة الأديب محمد مصطفى سلامة.

 

 

_ يسعدنا أن نتعرَّف على شخصك.

*_محمد مصطفى سلامة

قاص وروائي مصري، ومهندس حاسب آلي

من مواليد مدينة كوم حمادة، محافظة البحيرة، في ديسمبر 1980م.

حصلت على بكالوريوس في العلوم والتربية، قسم التاريخ الطبيعي، جامعة الإسكندرية، 2001م، ثم درست دبلومة مهنية، قسم تكنولوجيا التعليم، 2002م.

متزوج ولدي ثلاث بنات: كنزي ونيجار ولينا.

_ لم اخترت الكتابة دوناً عن غيرها؟

*-لشغفي بالقراة منذ الطفولة ، ولَّد لديَّ شغفًا موازيًا للكتابة، وطبيعي لكل قارئ شغوف بالأدب أن يأتي عليه يوم ويجد نفسه مُتلبِّسًا بفعل الكتابة، وسوف يكتشف أنه بدأ يمسك بالقلم ليخُطَّ أول خواطره، وغالبًا ما تأتي الكتابة في صورة خواطر في بادئ الأمر، وعلى حسب ميول الشخص لفنون الأدب، سيتجه تلقائيًّا إلى ما يهواه، فمن يستهويه شعر الفصحى أو العامية سيتجه إليه حتمًا، ومن تستهويه القصة أو الرواية أو المسرحية سيتجه إليها وهكذا…

وبالنسبة لي جذبني فن القَص إلى عالمه الساحر، فبدأتُ بكتابة القصص القصيرة منذ المرحلة الثانوية.

أتذكَّر عبارة قرأتها يومًا، تشبه إلى حد بعيد اللون المستحدث في عالم القصة القصيرة المعروف بالقصة القصيرة جدًا، كانت العبارة تقول: «كان يكتب كثيرًا ولا يقرأ… نفد». وعبارة أخرى على النقيض كانت تقول: «كان يقرأ كثيرًا ولا يكتب… انفجر».

واختصارًا يمكن القول: الكتابة تأتي كردَّة فعل طبيعية لفعل القراءة، أو كفعلٍ موازٍ لها.

_ماذا تعني الكتابة لك؟

*_كما أن للقراءة شغفًا يصل حدَّ الإدمان، فللكتابة شغفها أيضًا، وشغف الكتابة هو شغف الخلق، خلق الشخصيَّات، الأحداث، الحوار، العقدة، إلى أن تأتي لحظة التنوير وحل هذه العقدة، والكاتب خالق لشخصيَّاته على الورق، أي أنه يُعد مجازًا خالقًا للخيال، يحرك شخوصه وأبطاله ويتحكَّم في أفعالهم، حيواتهم، مستقبلهم، مصائرهم، وحتى نهاياتهم.

_ هل تتقن فنًا آخرَ غير الكتابة؟ وما مساحته من اهتمامك؟

*_كل ميولي واهتماماتي الفنية تتجَّه نحو الكتابة، كتابة القصة القصيرة والرواية بالأخص، لكنني لا أنكر أن الشعر قد أغواني لفترة، ولي ديوانان أحدهما في شعر الفصحى بعنوان «عشق» والآخر في شعر العامية بعنوان «جوَّاك قدر» نالت تلك القصيدة جائزة ونشرت في كتاب جماعي بعنوان «شغفيون»، ورغم ذلك لم أفكر في نشرهما، وفضلت الاحتفاظ بهما لنفسي، على اعتبار أنهما يحويان تجربة ذاتية.

وبجانب الكتابة الأدبية أميل إلى فن الخط العربي، وبالتالي الرسم؛ فلدي موهبة الخط الجميل، والتي أسعى إلى صقلها بالدراسة.

_من أين تستلهم أفكارك؟

*_أستلهم بعض أفكاري من الواقع مع إضفاء لمسة من الخيال، وبعضها الآخر لا يعد أن يكون ضربًا من الخيال، وهناك أفكار خيالية تمامًا أنتجت قصصًا بديعة.

ولابد للكاتب أن ينقل من الواقع شيئًا ما، ربما شخصية، موقف، حدث تعرَّض له شخصيًا أو سمعه من آخرين، مع إضفاء لمساته الخيالية ومعالجاته الإبداعية، وفي النهاية ينتصر الخيال دومًا.

إذن اتفقنا أنه ليس ثمَّة كاتب في الوجود لا يستلهم بعض أفكاره من الواقع؛ فما يحدث في الواقع فاق حدود الخيال. كذلك يكذب من يدَّعي أن كل كتاباته وليدة خياله؛ فلابد للكاتب أن يتأثَّر بالواقع المحيط به، سواء الأحداث المعاصرة أو يلجأ إلى التاريخ، يستلهم من أحداثه القصص والروايات، أو يتخيل أحداثًا وقعت بناءً على خلفية تاريخية ثابتة أو زمن وحدث معين.

_كيف يتكون عملك الفني في ذهنك قبل أن يصبح حقيقيًّا؟

*_تعلَّمت من أستاذنا العرَّاب  رحمه الله عندما تأتيني الفكرة أو تخطر بذهني شخصيَّة أو تيمة معيَّنة أو تنبت فجأة عبارة في ذهني تصلح كنواة لقصة، أسارع إلى تسجيلها في ملف وثائقي أو دفتر ورقي سمَّيته مثلما سمَّاه دفتر الأفكار، وأحيانًا تأتيني الفكرة في حلم، أو أكون بين النوم واليقظة وتأتيني فكرة أو يراودني تركيب لغوي يعجبني، فأستيقظ من نومي أو أقوم من رقدتي وأسارع بتدوينه حتى لا أنساه.

كذلك يفعل الكثيرون، ولعلَّ أشهرهم أمير الشعراء شوقي، عندما كان الوحي أو الإلهام الشعري يأتيه في أي وقت، بينما هو في حفل أو بين أصحابه؛ حينئذٍ ينفصل عنهم ويسارع بتسجيله في أي ورقة أمامه، وإن لم يجد فعلى علبة التبغ أو الثقاب، كثيرًا ما سجَّل مطلع قصيدة من قصائدة العظيمة، أو بعض أبيات استعصت عليه على مدار أيام، وأبت أن تأتيه أو تتوارد على خاطره إلا في تلك الظروف.

إذن بعد أن تتكوَّن فكرة معينة في ذهني أدوِّنها بدفتر الأفكار هذا، وعندما أشرع في الكتابة، أبدأ بالتنقيب في هذا الدفتر لاختيار الفكرة التي تروقني؛ لأكتبها بإسهاب، قبل أن ألجأ إلى التكثيف والحذف.

_ أي من أعمالك أقرب إلى قلبك؟ ولماذا؟

*_كل أعمالي قريبة إلى قلبي، كلهم أبنائي كما يقول أرثر ميلر في مسرحيته الشهيرة، بالطبع العمل البَكري يكون له طابع خاص وفرحة مختلفة كأول عمل مطبوع يحمل اسمي ككاتب، لكن مع كل عمل جديد أستشعر الفرحة من جديد، كأنها المرَّة الأولى.

وكل عمل كتبته سعدت به في حينها، وكان الأعظم بالنسبة لي وقتها، فمن بعد «ومضة عشق» 2015م كتبت «لم يكن فارسها» 2017م وكلتاهما مجموعة قصصية، تلتهما روايتي الأولى «سحر الغواية» 2019م، ثم فكَّرت في تقديم فكرة جريئة غير تقليدية في مجموعتي القصصية الثالثة «كائنات ممسوخة» 2021م كمعارضة قصصية لقصص وروايات كتَّاب آخرين.

وعملي الأقرب إلى قلبي الذي أعكف على مراجعته الآن، رواية رومانسية ممزوجة بلمحة من الفانتازيا بعنوان: «وكذا دم العاشقين تباحُ».

 

 

 

_ متى بدأت تأليف مجموعتك القصصية «كائنات ممسوخة» وكم استغرقت من الوقت؟ وما الفكرة الرئيسة لها؟

*_بدأت كتابتها في أول عام 2020م وتم الانتهاء منها في منتصف عام 2021م، أي أنها استغرقت عامًا ونصف تقريبًا.

أما عن الفكرة الرئيسة لها، فهي مجموعة قصصية معارضة لقصص وروايات كتَّابٍ آخرين، منهم من ينتمي إلى جيل الروَّاد كنجيب محفوظ وثروت أباظة وجمال الغيطاني، ومنهم معاصرون كصنع الله إبراهيم وعادل عصمت ووحيد الطويلة وصلاح والي وميسرة الدندراوي وثروت مكايد، وهنالك قصة عارضت فيها نفسي! ومنهم كتَّاب عالميون كويلز وجوركي وموليير وماركيز، والمعارضة معروفة شعرًا أمَّا في القصة والرواية فالأمر جديد ومختلف، ثمَّة معارضة قصصيَّة بديعة للأديب الجميل محمد عبدالنبي لقصة «البدين والنحيل» لتشيخوف، بعنوان «شبح أنطون تشيخوف»، وقد نُشرت في مجموعة قصصية حملت نفس الاسم.

وقد اشتمل كتابي على عشرين قصة عارضت فيها قصصًا وروايات، بنفس عنوانها، جاءت معظم هذه المعارضات على مستوى الفكرة والنص، وقليلٌ منها على مستوى العنوان فحسب، أذكر منها قصة «مسلم ولكن» التي حملت عنوان كتاب ديني لناصر مساعد آل جمعان، وبالتالي جاءت المعارضة هنا على مستوى العنوان فقط.

 

_ ما الموضوع الذي يبدو بارزًا في أعمالك؟

*_بالنسبة للقصة القصيرة أميل إلى التنوع في الأفكار والتيمات وأميل إلى النهايات غير المتوقعة، فنجد القصة الواقعية والرومانسية والفانتازيا والرعب والسيكودراما، بجانب نوع معين أحب كتابته، أطلقت عليه اسم البورتريه وهو نمط قصصي يقوم في الأساس على رسم شخصيَّة غير اعتيادية، موجودة في مجتمعنا لكنها شاذة وغريبة الأطوار إلى حدٍ كبير، ربما ولي مبروك، أو شحاذ مجنون، أو حشَّاش صاحب فِكر وفلسفة، أو زير نساء غامض كلما تزوَّج ماتت زوجته في ظروف غامضة، وربما شخصيَّة سيكوباتية لها طقوس مجهولة.

أمَّا بالنسبة للرواية فأميل إلى الروايات الاجتماعية والرومانسية مع لمسة رعب أو فانتازيا، مثل روايتي الأولى «سحر الغواية» والثانية «وكذا دماء العاشقين تُباحُ» المزمع إصدارها قريبًا بإذن الله.

 

_ ما أكثر العوامل التي أثرت في تشكيل موهبتك؟

*_شغفي بالقراءة منذ طفولتي فتح مجال الخيال واسعًا أمامي (والتي بدأت قطعًا بالقصص المصورة، ثم سلاسل روايات محمود سالم ومحمود قاسم، وروايات مصرية للجيب لنبيل فاروق وأحمد خالد توفيق وسلسلة كتابي لحلمي مراد وروائع الأدب العالمي للناشئين ومن الشرق والغرب وروايات الهلال وسلاسل روايات أجاثا كريستي وهتشكوك وأرسين لوبين وروايات عبير الرومانسية وغيرها). كذلك قراءة القصص الأسطورية وألف ليلة وليلة وعجائب الشعوب والميتافيزيقا/ الماورائيَّات (ثمَّة مجموعة بديعة منها لأنيس منصور وراجي عنايت ورءوف وصفي) وصولًا إلى قراءات أعمق في مختلف مجالات الأدب والثقافة والدين والفكر والعلوم الاجتماعية. ولست أنا القائل «في القراءة حياة» وإنما أقول بثقة «كيف لمن لا يقرأ أن يحيا من الأساس».

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى حبِّي للغة العربية وقراءاتي المتعدِّدة منحاني ثراءً لُغويًّا. بجانب احتكاكي بمختلف أنماط المجتمع وشخصياته المفعمة بالتنوع والتناقض، وتعاملي مع نماذج بشرية سيكوباتية لها أبعاد نفسية عجيبة، أقابلها يوميًّا من خلال العمل وفي إطار الحياة اليومية.

_ ماذا عن المستقبل؟ ما الذي تريد تحقيقه؟

*_أتمنى أن يأتي يوم أتمكَّن فيه من كتابة رواية عظيمة فارقة تؤثر فيمن يقرأها، فتختلف حياته بعد قراءتها عن حياته السابقة. مثلما فعلها ماركيز في «مائة عام من العزلة»، «الحب في زمن الكوليرا» وكويلو في «الخيميائي»، «ألِف» ودوستويفسكي في «الأخوة كارامازوف» وتولستوي في «الحرب والسلام» وهوجو في «البؤساء» وجورج أورويل في «1984» ومارجريت ميتشل في «ذهب مع الريح» وأُمبرتو إيكو في «اسم الوردة».

_ من هو قدوتك في الكتابة؟

*_على مستوى الأدب العربي:

من جيل الروَّاد: محفوظ والبدوي والسحَّار والحكيم وحقي وإدريس والسباعي والغيطاني وعبدالحليم عبدالله وخيري شلبي ومصطفى محمود. ومن المعاصرين: العرَّاب ومحمد المنسي قنديل وبهاء طاهر ورضوى عاشور وإبراهيم عبدالمجيد وإبراهيم أصلان ومحمد المخزنجي. ومن جيل الشباب: محمد رفيع وطارق إمام وأحمد مراد وأحمد القرملاوي وعلاء فرغلي.

من الأدباء العرب: عبدالرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني ونبيل خوري والطيب صالح وعبده خال وأحلام كجه جي.

وعلى مستوى الأدب الغربي:

تشيخوف ودوستويفسكي وماركيز وكويلو وإيزابيل الليندي ودان براون وخالد حسيني.

_ أي نوع أدبي تفضّل؟

*_القصة القصيرة أولًا وبعدها تأتي الرواية.

 

_ كيف ترى حال الأدب في مصر في الوقت الحالي؟

*_أرى أن هناك طفرةً غير مسبوقة في نطاق الأدب بشكل عام والرواية على وجه الخصوص، فهناك إقبال كبير على كتابة الرواية من الأجيال الجديدة، ورغم هذا الزخم الأدبي الذي يصعب فيه تصنيف الغث من السمين إلا أن هذا الازدهار أو الانفجار لو أردنا الدقة، يمثل ظاهرة صحية وثورة في عالم الرواية وهناك أصوات جديدة مميزة ومبدعة سلكت لنفسها طريق النجاح، ممن ابتدعوا أدبًا حداثيًا سواء على مستوى اللغة أو الأسلوب أو الحبكة، فضلًا عن ازدهار أنماط أدبية لم تكن موجودة في الأدب العربي أو نادرة، كالخيال العلمي وأدب الرعب والجريمة والسيرة الذاتية والرحلات وغيرها..

 

_في نهاية الحوار أتوجه بالشكر للروائي محمد مصطفى سلامة، متمنيين له المزيد من التقدم والرقي.